استبعد رئيس السلطة محمود عباس الرموز الدينية المسيحية من المشاركة في أعمال "المجلس الوطني" المزمع عقده في رام الله، بمشاركة حركة فتح وفصائل صغيرة، في ظل مقاطعة كبرى الفصائل الفلسطينية التي حازت على اغلبية ثلثي اعضاء المجلس التشريعي عام 2006م.
مقصلة الاقصاء الفتحاوية استبعدت الأب مانويل مسلم الذي تولى مسؤولية رعاية العالم المسيحي في منظمة التحرير لسنوات عديدة، كما استبعدت المطران عطا الله حنا رئيس اسقف سبسطية الروم الارثوذكس، بالإضافة إلى المطران ميشيل صباح.
تقريب فاسدين
واستبدل عباس حضور تلك الشخصيات بأخرى عليها شبهات فساد ومتورطة في تمرير صفقات لبيع الاراضي، طبقًا للمجلس الارثوذكسي.
وكان السفير عدلي صادق قد كشف أن حركة فتح شطبت أسماء البطاركة الثلاثة "مسلم وحنا وصباح"، ودعت بدلا منهم شريك البطريرك اليوناني وسمساره لبيع أملاك الكنيسة الأرثوذكسية المدعو الياس عواد، كما عيّن شخصان أحدهما غير فلسطيني، والآخر قبطي مصري ساهم في فتح الابواب لزيارة الاقباط المصريين للأراضي المحتلة.
وعلمت الرسالة أن الرموز والهيئات المسيحية الرافضة للوطني، ستصدر بياناً موحدًا تعلن فيه موقفها من انعقاد المجلس.
شخصيات مسيحية بينها تلك التي تم منعها، أكدّت لـ"الرسالة" أن الوطني لا يمثل الشعب الفلسطيني، وهو أداة لتمرير صفقات سياسية لا تمثل الشعب الفلسطيني.
الأب مانويل مسلم راعي العالم المسيحي في منظمة التحرير، وأحد الرموز المسيحية التي تم استبعادها من المجلس، أكدّ أن من لا ينتخبه الشعب لا يمثله، ومنظمة التحرير الحالية لم ينتخبها الشعب ومجلسها لا يمثله ولا يمت له بصلة لا من قريب ولا من بعيد.
وقال مسلم لـ"الرسالة" إنّ مؤتمرا يعقد تحت حراب الاحتلال، لسنا معنيين به، فهو معيّن من طرف السلطة والاحتلال ولا يتكلم الا وفق اوامرهما وبناء على تعليمات مسبقة منهما.
وأضاف: "هذا مجلس يمثل اوسلو ولا يمثل القرار الفلسطيني، والأخطر أنه جاء ليمهد الطريق امام صفقة القرن، وتزوير ارادة الشعب، وهو أصغر من قضيته ومهما فعل فلن يرتقي لثوابت الشعب وعظمته".
وفي غضون ذلك، أكدّ عضو "الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة المقدسات" إنّ ظلم السلطة الفلسطينية واضطهادها لشعبها في قطاع غزة وسياسة القمع التي تمارسها حتى ضد الفلسطينيين بالضفة، "ستقود الناس وتدفعهم لاستخدام الثورة المسلحة ضدها، وهذا ما لا نتمناه".
واضاف مسلم: "لم يخطر في بالنا ولا حتى في أسوأ الكوابيس أن تقطع رواتب ذوي الشهداء والاسرى والفقراء، لكننا أمام مؤامرة تريد بوضوح لغزة أن تستسلم للإسرائيلي وترفع الرايات البيضاء".
وأكدّ مسلم أن هذه المؤامرة تنفذ بيد فلسطينية؛ "لكنها تقابل ببسالة واستشهاد وبطولة، رغم القساوة التي تمارس عليها من السلطة بهدف دفع الناس لحرب أهلية، وادخال القضية في مرحلة كارثية على صعيد الوحدة المصيرية".
وهنا يضيف مسلم قائلا: "وضع حد لتجاوز قيادة السلطة لا يتم الا بانتخابات، واليوم في ظل هذه الظروف لا يمكن اجراء هذه الانتخابات، فالسلطة متحكمة في كل شيء وتقمع الآخرين بلا هوادة، ولم تجعل امام الناس سوى خيار الكفاح المسلح والحراك العسكري".
ثورة
واستشهد الأب مسلم بتصريحات لرئيس جنوب افريقيا الراحل نيلسون مانديلا التي قال فيها "يجب حل جميع المشاكل بالطرق السلمية، لكن هناك مشاكل لا تحل الا بيد الشعب".
وتابع مسلم: "الوضع القائم يحتاج تغييره لقوة عنيفة، في ظل ان الشعب لا يملك خيار اجراء الانتخابات، وما دامت هذه القيادة مع العدو والتنسيق الامني، فالشعب يستحيل عليه أن يخترقها الا إذا أقدم على ثورة مسلحة تنفجر في وجهها".
ومضى يقول: "كنا نتحدث عن كفاح ضد العدو، لكن الشعب أصبح مهددًا في ظهره وعاجزًا عن حل ازماته مع السلطة بالطرق السلمية(..) أخشى أن ينفجر شعبي على شعبي، هذا شيء لا نتمناه ويجب أن تعقل السلطة قبل أن يتبنى الناس هذا الخيار".
وأضاف: "هذه قيادة أصغر من شعبها وقضيتها، فهي تخون وتجوع وتضطهد وتمنع الحياة والغذاء عن الناس، وتفهم أن القضية ليست لدفع غزة نحو الاستسلام والخنوع فحسب، بل لتسليمها للاحتلال".
وتابع: "غزة التي يجب أن تضم اليها كل ارجاء الوطن، فهي تخطت اولى مراحل التحرير، وبقية اجزاء الوطن لا تزال سليبة، ونحتاج أن نضمها جميعًا الضفة والقدس وحيفا ويافا وكل الأراضي المحتلة إلى جانب غزة كي نحررها".
وأكدّ أن السلطة المتسلطة على شعبها، لا تصنع لقضيتها ارادة، بل هي غارقة حتى النخاع في الاستسلام وتدفع الناس نحو الانتحار الجماعي"، مشيرا إلى أن رئيس السلطة محمود عباس يهدف من خلال سلوكه لمساعدة الرئيس الامريكي دونالد ترامب لتمرير صفقة القرن، "صفقة أسوأ من اوسلو تأتي بالدول العربية لتعترف بالقدس عاصمة للكيان وترفع أعلامها عليه (..) صفقة ستكون نهايتهم بلا شك".
تعزيز الانقسام
من جهته، قال المطران عطا الله حنا رئيس اسقف سبسطية الروم الارثوذكس، أن توجيه الدعوات لهم من عدمها لن يؤثر على دورهم في خدمة الشعب الفلسطيني ومساندة قضاياه العادلة.
وأضاف حنا أن ذلك لن يؤثر على قناعتهم اساسا من فكرة انعقاد الوطني بهذه التركيبة وبهذا الشكل، مشيرا إلى أن الخطورة تتمثل في توظيف هذا المجلس لتعزيز الانقسام والفرقة بين صفوف الشعب الفلسطيني.
من جهته قال عدّي بجالي عضو المجلس الارثوذكسي المركزي، إنّ المجلس لا يوجد فيه تمثيل صحيح للفعاليات والانتماءات السياسية، وهو مخصص فقط لجناح معين بحركة فتح تابع لرئيس السلطة محمود عباس.
وذكر بجالي لـ"الرسالة" أنّ عباس اختار شخصيات فاسدة ممثلة عن المسيحيين، في الحقيقة هم لا يمثلوا البيت المسيحي ولا الشعب الفلسطيني، فالمجلس اساسا اقصائي، ويراد له ان يمرر تسويات سياسية بعيدة كل البعد عن الشعب الفلسطيني.
وأضاف بجالي أن الياس عواد المعين في الوطني مقرب من المخابرات وقدم كثير من الشكاوي ضد ابناء الرعية المسيحية، وكان عضوا في المجمع المقدس قبل ان يعلن استقالته قبل عدة سنوات، لكنه كان صامتا عن صفقات بيع ممتلكات الكنيسة.
وذكر أن البيت المسيحي لا ينفصل في مطالبه ومقدراته عن الشعب الفلسطيني، و"حماس او الجهاد او أي فصيل متمسك بأرضه هو يمثل في اهدافه ومطالبه المجتمع الفلسطيني قاطبة بما في ذلك البيت المسيحي في هذا الشعب".