يبدو أن السلطة الفلسطينية باتت تضرب بعرض الحائط كل الأعراف والقيم الوطنية والأخلاقية، بعد توجهها إلى قطع رواتب أسرى قطاع غزة في سجون الاحتلال "الإسرائيلي".
وعلمت صحيفة الرسالة من قيادات في الحركة الأسيرة داخل السجون، أن رئيس السلطة محمود عباس أمر بقطع رواتب أسرى قطاع غزة من جميع الفصائل لهذا الشهر.
وقالت المصادر في الحركة الأسيرة إن السلطة قطعت رواتبهم أسوة ببقية موظفي السلطة في غزة.
وذكرت المصادر أنه جرى التواصل مع رئيس هيئة شؤون الأسرى عيسى قراقع، الذي بررّ بدوره ما حدث على أنه خلل فني، ثم أكدّ على أنه سيتم استدراك الموقف في أسرع وقت.
ونقلت المصادر عن الأسير القائد مروان البرغوثي غضبه الشديد إزاء هذه الخطوة التي باتت تمس أحد أهم ثوابت القضية الفلسطينية ممثلة بالأسرى.
وأشارت المصادر إلى أن سياسة قطع رواتب الأسرى، جاءت بعد يومين فقط من رسالة بعثها البرغوثي لعباس يحثه فيها بالتوقف عن إجراءاته العقابية ضد غزة.
وبحسب المصادر، فإن الأسرى يدرسون الخيارات كافة بما فيها التوجه نحو إضراب شامل في السجون، مدعومين من كامل أبناء الحركة الأسيرة داخل المعتقلات.
ويمكن القول إن إقدام عباس على قطع رواتب الأسرى يعد ضمن خطوات تنفيذ "صفقة القرن"، لا سيما وأن أحد بنودها التي اشترطتها الولايات المتحدة هو توقف السلطة عن دفع رواتب الأسرى والشهداء على اعتبار أنهم "إرهابيون" وهو مطلب إسرائيلي أيضًا.
خطوات احتجاجية
أسرى قطاع غزة في سجون الاحتلال الإسرائيلي أكدوا على أنهم سيبدؤون سلسلة من الخطوات والفعاليات لـ"صون حقوقهم"، إثر عدم صرف السلطة رواتبهم.
واستنكر بيان "رقم 1" الصادر عن أولئك الأسرى، ما وصفه بـ "قض مضاجع الأسرى بتدفيعهم الثمن للخلافات السياسية التي تعصف بشعبنا" وقالوا " لم يدر في خلدنا يومًا ولا حتى في أسوأ كوابيسنا أن تمس أرزاق أطفالنا وقوت أهلنا من خلال قطع رواتبنا".
ودعا البيان إلى الرجوع عن "القرار الظالم وتغليب صوت العقل والمسؤولية والتعالي عن قضية المس بحقوق الأسرى ومكتسباتهم"، مضيفًا "لن يُسامح شعبنا ولن تغفر الأجيال هذه الخطيئة وسيحرص الأحرار على أن يُحاسب المتجرئين على خيانة قضية الأسرى".
انعكاسات خطيرة
ويؤكد الناطق باسم مركز أسرى فلسطين رياض الأشقر، على أن السلطة قطعت رواتب أسرى قطاع غزة ضمن حملة الإجراءات العقابية "المرفوضة" التي تشنها على قطاع غزة.
وشدد الأشقر في حديثه لـ"الرسالة" على أن هذه الخطوة ستنعكس بشكل سلبي على شرعية قضية الأسرى في سجون الاحتلال، داعيًا إلى ضرورة استثناء الأسرى وذويهم من أي مناكفات سياسية.
وأوضح أن هذا القرار سيشكل أزمة كبيرة للأسرى داخل السجون ويثقل كاهلهم، إلى جانب أنه يخلق أوضاعًا صعبة لذويهم ويجعلهم متسولين أمام الجمعيات الخيرية، وهو مرفوض جملة وتفصيلًا.
واعتبر الأشقر أن قطع الرواتب يمثل طعنة في ظهر الأسرى ويضر بشرعية قضيتهم، خاصة وأنه يتساوق مع مطالب الاحتلال بقطع رواتبهم ويجعل السلطة شريكة مع العدو في الضغط ومحاولة كسر إرادة الأسرى.
جريمة بشعة
بدوره، أكد مدير مكتب إعلام الأسرى عبد الرحمن شديد على أن توجه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى قطع رواتب أسرى قطاع غزة جريمة جديدة تضاف إلى جرائم عباس بحق غزة.
وقال شديد في حديث لـ"الرسالة": " إن ثبت حقيقة هذا الأمر فإنها جريمة بشعة تطال رواتب الأسرى وتحاول النيل من صمودهم وعزيمتهم، خاصة أن تلك الرواتب تمثل الحد الأدنى من حقوق الأسرى وذويهم".
وأوضح أن عددًا من الأسرى تواصلوا معه واستنكروا باستغراب شديد تلك الإجراءات بحقهم، مبينًا أن هذه الخطوة لا يمكن أن تصدق، متعجبًا من حديث قيادة السلطة المتكرر عن دعمهم وإسنادهم للأسرى في سجون الاحتلال.
وأضاف شديد" الأصل دعم صمود الأسرى وذويهم بدلًا من محاربتهم في أرزاقهم ومحاولة كسرهم عبر قطع قوت يومهم".
وبيّن أن قطع رواتب الأسرى جريمة لا تغتفر وتتعدى كل مستويات الجرائم، خاصة وأنه يضرب معنويات الأسرى ويكسر صمودهم.
وأكد على أن اتخاذ هذا القرار هو بمثابة تماهٍ كامل مع ما يطلبه نتنياهو والإدارة الامريكية واعتراف ضمني أن الأسرى إرهابيون، لا سيما وأن مبرر الاحتلال أنهم إرهابيون وقتلة ويجب قطع رواتبهم، داعيًا السلطة إلى التراجع عن ذلك.
وأشار شديد إلى أن الأسرى يطالبون بوقف هذا القرار في حال تم اتخاذه وضرورة التراجع عنه، والوقوف بجانبهم، في ظل محاربتهم والتضييق عليهم من الاحتلال الإسرائيلي.
وتتزامن إجراءات عباس ضد الأسرى مع يوم الأسير الفلسطيني الذي صادف توقيته قبل أيام قليلة، كما وتترافق هذه الإجراءات مع استمرار الأسرى الإداريين بالإضراب عن التوجه للمحاكم.
ويواصل رئيس السلطة إجراءاته الانتقامية بحق سكان قطاع غزة، متذرعًا محاولته استعادة القطاع من حركة حماس.