عمره 62 عامًا، يسكن مخيم النصيرات منذ هجرته وعائلته في نكبة 48، يحن إلى قرية الجورة، ورغم إصابته يتمتع بنفسية مبتهجة ومعنويات رائعة، يغمره يقين منقطع النظير بأن العودة لا تكون إلا هكذا، وإن أحدنا فقد قدمه أو يده، وإن استشهد بعضنا فسيكمل الباقي الطريق، ويردد مبتسمًا: "لا شيء يتحقق بدون ثمن".
هذا هو الحاج علي أبو حسن أستاذ الفنون الجميلة المتقاعد، الذي جرفه الحنين إلى قريته فخرج منذ اليوم الأول لمسيرات العودة مشاركًا وهاتفًا، ومحبًا ومؤمنًا بما يفعل، يقول إنه في يوم ميلاده نوى الاحتفال مع ابنه هناك فقنصه الاحتلال برصاصة متفجرة أدت إلى بتر قدمه من الأسفل.
واصفًا ما حدث: "لقد كنت أقف بعيدًا عن الحدود، رجلًا سلميًا لا يحمل أي نوع من السلاح، فلماذا يقنصني الاحتلال برصاص محرم دوليًا حتى أن الرصاصة هشمت قدمي وخرجت منها شظية أصابت شخصًا آخر كان واقفا بالقرب مني، فكيف يقمع الاحتلال مسيرات سلمية بهذه الطريقة الوحشية وبرصاصات محرمة تؤدي في معظم حالاتها إلى بتر الأطراف.
وعن سر ذهاب رجل في مثل سنه للمشاركة يقول: هدفنا واضح، الأقصى والقدس، وتحريك الرأي العام العالمي، ومن الجبن أن نجلس في بيوتنا ويخرج الجميع، فالتضحية هي عنوان المرحلة القادمة، قررت أن أضحي بمشاركتي في مسيرات العودة سيرًا قبل أن أصيب، فقررت المشي خمسين كيلو على شارع جكر أنا وأصدقائي من رفح حتى خان يونس مرورًا بالبريج ثم غزة وصولًا إلى جباليا وكل ذلك لغيظ العدو وبحثًا عن ثواب وأجر.
ويضحك الحاج علي وهو يتحسس قدمه المقطوعة كاشفًا إياها أمام كاميرات المصورين، ويتذكر ذهابه للاحتفال بيوم ميلاده على خطوط التماس مع العدو دون أن يفقد اليقين فيما يفعل والأمل والابتسامة والعنفوان الذي يسكن الشباب.
ويؤكد على أن مسيرات العودة لاقت نجاحًا بالغًا وحققت صدى في جميع أنحاء العالم مضيفًا: يقول الله تعالى انفروا خفافًا وثقالًا فلا عذر لي لأني كبير في السن، والدنيا كلها زائلة ولن يبقى لنا سوى أجرنا وثوابنا، وهذا ما يدفعني للذهاب.
لم تتوقف حالة الحاج علي أبو حسن عند بتر قدمه، بل إن حالته قد تدهورت أكثر وقررت له عملية بتر ثانية لجزء آخر من القدم وصولًا لأسفل الركبة، وحينما زارته الرسالة قبل العملية بثلاث ساعات تعجبت من معنوياته المرتفعة، وضحكاته وصبره وقد كان يتبادل أطراف الحديث والضحك مع أبنائه مرددًا: في سبيل الله قمنا نبتغي رفع اللواء، فليعد للدين مجده، أو ترق منا الدماء.
وعن حالته الصحية حدثنا ابنه المرافق له في المستشفى مذكرًا بالواقع الفلسطيني المفروض علينا بحروبه الذي أوجب علينا كشعب محتل أن نجاهد بكل ما فرض علينا وبقدر استطاعتنا، لافتًا إلى أن والده كان مربيًا وطنيًا بامتياز مضيفًا: لقد عودنا على حب المشاركة والتضحية في سبيل الله والجهاد وفي يوم خروجه إلى الحدود كنا نقول له لا تخرج، فسنخرج نحن بالنيابة عنك، ولكنه لا يكترث، ويصر أن يخرج بنفسه إلى الحدود.
وفي يوم الإصابة كان شقيقي معه بالصدفة متوقفًا على بعد أمتار منه يصور الأجواء والحالات، وقد رأى حالة إصابة يحمله البعض ويهرولون بها، وهو الشاب الذي أصيب من شظية خرجت من قدم أبي، قبل أن يرى أبي مضرجًا بدمائه ويركض لحمله مع المتجمهرين، يقول ابنه.
وعن تردي حالة قدم الحاج أبو حسن وتراجعها يقول ولده : تراجعت حالته كثيرًا، بعد البتر الأول، فقرر الطبيب له عملية بتر أخرى لنفس القدم بسبب التهاب حاد وتطور سلبي لحالته الصحية .
وحسب إحصائيات وزارة الصحة في قطاع غزة فإن عدد الإصابات منذ بداية فعاليات مسيرات العودة قد وصل إلى 5000 إصابة ، كما وأكدت الصحة على أن من بين الإصابات 17 إصابة مباشرة أدت إلى بتر، منها 4 في الأطراف العلوية و13 بالأطراف السفلية.
ورغم هذه الأرقام الواردة سابقًا والتي يعلمها الحاج أبو حسن إلا أنه ما زال يحمل يقينًا وإصرارًا على الاستمرار بل ينوي العودة للمشاركة في المسيرات بعد أن يتماثل إلى الشفاء، مهما كانت حالته، حتى لو كان بقدم مبتورة مرتين.