ترقب أسواق قطاع غزة أخبار رواتب موظفي السلطة التي قطعتها حكومة فتح على أحر من الجمر، بعد حالة الكساد التي سادتها جراء تراجع القدرة الشرائية لمستويات غير مسبوقة.
ومع اقتراب دخول موسم رمضان منتصف الشهر المقبل، ارتفعت خشية التجار بتوريد البضائع والمواد الغذائية إلى قطاع غزة كالمعتاد، نتيجة تدهور الظروف الاقتصادية ووصولها إلى مرحلة الانهيار، بينما ينتظر الغزيون أي تحسن في ظروفهم قبل مجيء شهر رمضان.
كساد كبير
يقول محمود خليل تاجر المواد الغذائية إن "أسواق قطاع غزة، باتت مكان يقصده البائعون والتجار أكثر مما يرتاده المستهلكون، وشهدت الفترة الأخيرة حالة من الانحدار المتدحرج الذي بلغ الذروة بعد قطع السلطة رواتب موظفيها، ما جعل أيام مئات التجار معدودة داخل الأسواق".
ويضيف خليل في حديثه مع "الرسالة"، أن الديون تراكمت على التجار وبلغت ملايين الشواكل داخل الأسواق، ما أجبر جميع التجار إلى البيع نقدا فقط وتوقيف الديون بصورة كاملة، نظراً لارتفاعها وعدم مقدرة معظم المواطنين على السداد، ما ألحق بالتجار خسائر فادحة وأدخلهم في نفق مظلم وغير معروف الاتجاه".
ويكشف خليل أن معظم الشركات التجارية والمستوردة والتجار باتوا يطرحون البضائع داخل الأسواق والمحال التجارية بأسعار أقل من التكلفة للحصول على أكبر مبالغ من السيولة المالية التي باتت مفقودة، ولتصريف بضائعهم قبل فسادها وانتهاء صلاحيتها، الأمر الذي ان استمر سينتهي بكارثة اقتصادية بشكل كامل لقطاع غزة.
ويخشى التاجر من استمرار مثل هذه الظروف حتى قدوم شهر رمضان، بحيث سيكون هناك شح كبير في البضائع اللازمة والضرورية داخل الأسواق لانخفاض قدرة التجار على الاستيراد، وفي نفس الوقت لن يستطيع المواطن شراء الموجود وفي هذه الحالة يكون قطاع غزة وصل إلى أسوأ المواسم التجارية خلال الشهر المبارك.
من جانبه، يشكو المواطن محمود الأسود من عدم صرف سلطة رام الله راتبه واستحقاقاته المالية، ما أدخله بحالة اقتصادية منهكة، ولم يعد قادراً على جلب قوت أبنائه الستة، ما أجبره على التوقف عن زيارة السوق بالكامل والاستكفاء بشراء بضائعه من الباعة المتجولين وبكميات قليلة جداً.
ويتذمر المدرس من القرار الذي اتخذته حكومة الحمدالله، إذ أنه بقي على رأس عمله ولم يستنكف ليوم واحد، ليجد نفسه مجبراً على الدخول في حلقة الصراعات السياسية وأن يكون أبرز ضحاياها، مطالباً رئيس السلطة محمود عباس أن ينهي هذه الأزمة قبل قدوم شهر رمضان، لما له من مصاريف خاصة لن يستطيع أن يتحمل أعباءها على الإطلاق.
ويبين الأسود أن شهر رمضان يحتاج إلى مصروفات مرتفعة لا يملك شيئا منها، مع استمرار انقطاع الرواتب وبعد مسلسل الخصومات الذي أنهكه، وخصوصاً في ظل إغلاق المحال التجارية دفتر الدين في وجهه بعد تراكم المبالغ المالية عليه وعجزه عن سدادها نهائياً
كارثة اقتصادية
المختص في الشأن الاقتصادي الحسن بكر، حذر " من استمرار الوضع الراهن لما هو عليه، حتى قدوم شهر رمضان، مؤكداً بأنه سيكون من أسوأ المواسم التي سيمر بها قطاع غزة، وسيجعل مرحلة الانهيار الاقتصادي أمراً حتمياً.
يقول بكر "للرسالة" إن أسواق قطاع غزة تشهد ارتفاعاً في الطلب على البضائع، وهذا يحتاج إلى قدرة شرائية من المواطنين والأسر لا تتوفر لهم، ما سيجعل تجار قطاع غزة والمستهلكين يدخلون في دوامة نهايتها صادمة".
ويبين المختص في الاقتصاد أن واحدا من كل اثنين من المواطنين يعيش تحت خط الفقر، بينما يعيش مواطن من كل ثلاثة تحت خط الفقر المدقع أي لا يستطيع أن يؤمن شيئا من حاجاته الأساسية والضرورية، وتجاوزت نسبة البطالة والذين ليس لديهم أي دخل مالي في قطاع غزة حاجز الـ 75%".
ويوضح بكر أن قرار السلطة بقطع الرواتب عن قطاع غزة، جعل الحركة في الأسواق شبه معدومة، ما يعني أن رمضان المقبل الأقل فعلياً من الأعوام السابقة من حيث حجم الاستهلاك، وذلك يضع رؤوس التجار تحت المقصلة ويجبرهم على تقليص الاستيراد، وعمل حملات شرائية للمواطنين بأسعار أقل من التكلفة للتخلص من المخزون والتغلب على أزمة السيولة النقدية.
ويؤكد أن المرحلة التي دخل فيها التجار يطلق عليها (الاستثمار الذاتي) تهدد بأن شهر رمضان سيصحبه مرحلة الكساد التجاري التام، كاشفاً ان تقليصات التجار وصلت الى دخول 300 شاحنة يوميا فقط عبر كرم أبو سالم من أصل 800 شاحنة، محملة في معظمها بالسلع الأساسية مثل البترول وغاز الطهي وغيرها...
فقدان السيولة
بدوره أكد علي الحايك رئيس جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين بغزة أن وقف صرف رواتب موظفي السلطة بغزة بشكل كامل، يفقد أسواق قطاع غزة سيولة نقدية بقيمة 500 مليون دولار سنويًا.
وأشار الحايك إلى أن اليأس أصبح يسيطر على سكان غزة، بفعل اشتداد الازمات المعيشية، وفقدان السيولة النقدية، مبيناً أن قيمة ما كانت تدفعه السلطة شهرياً لموظفي غزة نحو 41 مليون دولار شهرياً.
وأضاف الحايك "نمر هذه الأيام بأسوأ أوضاع اقتصادية ومعيشية بسبب تشديد الحصار الإسرائيلي، واستمرار الانقسام الداخلي وتفاقم نقص الخدمات الأساسية، الأمر الذي يتطلب من جميع الجهات تحمل مسئولياتها تجاه سكان غزة".
وكشف أن حركة دوران السيولة النقدية تعاني من خلل كبير ونقص بفعل توقف أعمال غالبية الشرائح الاقتصادية بغزة.
وأوضح أن الغزيين بحاجة لمساعدات انسانية سواء كانت من الحكومة أو الفصائل أو المؤسسات الاغاثية العاملة، لافتاً إلى أن كثيرا من المنشأة الاقتصادية متوقفة عن العمل بشكل كلي أو جزئي بسبب سياسة الحصار الاسرائيلي في إدخال المواد الخام، واستمرار أزمة الكهرباء، وتزايد ساعات فصلها.