بالورود والزغاريد وبمراسم تشييع تليق بالعلماء احتضنت غزة ابنها العالم الشهيد فادي البطش الذي عاد لأحضانها محمولا على الأكتاف بعد رحلة استمرت لأكثر من ثماني سنوات تنقل خلالها في مختلف دول العالم ينشر العلم والقرآن.
وكعريس توشح بالأبيض كانت الزفة الأولى للشهيد فادي في مسجد إيدمان بماليزيا الذي كان يؤم المصلين فيه، حيث احتشد الآلاف من مختلف الجنسيات لإلقاء نظرة الوداع بعيونهم التي انهارت منها الدموع.
ومن مسجد العمري الكبير في مسقط رأسه بجباليا البلد، كانت الزفة الأخيرة بمشاهد كانت أقرب لجنازة الشهيد يحيى عياش، بعد أن تلاقفت أيادي آلاف الغزيين جثمان الشهيد في عرس وداع وطني جاب أرجاء المدينة المحاصرة.
وتعرض الشهيد البطش لعملية اغتيال في العاصمة الماليزية "كوالامبور" حيث أطلق مجهولون أكثر من عشر رصاصات تجاهه أثناء توجهه لصلاة الفجر، ثم لاذوا بالفرار.
واشترط الشهيد أبو محمد على والدته أن يكون ارتباطه بزوجة حافظة للقرآن بعد أن أنهى دراسة البكالوريوس والماجستير في الهندسة الكهربائية من الجامعة الإسلامية بغزة أواخر عام 2009، وعقب ذلك تمكن من الحصول على قبول الدكتوراه من جامعة مالايا الماليزية.
ومنذ نعومة أظافره كان فادي من الطلبة المجتهدين الحريصين على دراستهم فقد حصل على المرتبة الأولى في الصف الثاني الابتدائي في مدينة تبوك بالسعودية ومن ثم حصل على المرتبة الخامسة في حفظ القران بثلاث قراءات، تقول أم فادي.
وتكمل والدة الشهيد وتعابير الحزن بادية على وجهها أن ابنها لم يعطِ أي اهتمام لشيء طوال حياته كاهتمامه في حفظ وتدبير القران الكريم وتمسكه في دراسته ومحاولة الابتكار والبحث عن المجهول.
وبعد تنهد وصمتها لدقائق تُبدي الخمسينية أم فادي الفخر والاعتزاز بابنها الدكتور الذي حصل على الدكتوراه بموجب منحة "خزانة" الماليزية بحثا عن رفع كفاءة شبكات نقل الطاقة الكهربائية باستخدام تكنولوجيا إلكترونيات القوى.
وبين يديها المرتجفتان تحتضن أم محمد زوجة فادي أقمارها الثلاثة دعاء وأسيل ومحمد الذي لم يتجاوز عمره عاما ونصف، قائلة بصوتها النحيب: " الشهيد الانسان جمع كل الجوانب فكان على علم وخلق وعالم، ونعم الزوج الحنون الطيب الرائع الخلوق، والأب الحريص على أبنائه، والاجتماعي المحبوب من الجميع والشيخ الحافظ للقران والحاصل على الايجاز في السند".
لم تتخيل للحظة الزوجة الثلاثينية أن يفارق فادي هذه الحياة سريعا أثناء ذهابه لصلاة الفجر، بعد أن كان ينوي السفر لتركيا للإشراف على أحد المؤتمرات العلمية.
وبعد سبعة أعوام من انتهاء الدكتوراه في ماليزيا حاول فادي العودة لقطاع غزة لكن اغلاق المعابر حال دون ذلك، ليستقر في ماليزيا ويواصل أبحاثه العلمية في علوم الطاقة، ليحصل على براءة اختراع بعد ابتكار جهاز يعتمد تصميمه على تكنولوجيا إلكترونيات القوى، ثم توصيله بشبكة نقل الطاقة الكهربائية وتحسين كفاءة الشبكة بنسبة تصل إلى 18%، تضيف زوجته.
وخلال رحلته الدراسية نشر الشهيد 18 بحثا محكما في مجلات عالمية ومؤتمرات دولية، وشارك في مؤتمر دولي في اليابان، وشارك بأبحاث علمية محكمة في مؤتمرات دولية عقدت في بريطانيا، فنلندا، أسبانيا، السعودية، علاوة على المشاركة في مؤتمرات محلية في ماليزيا.
وتسرد أم محمد "رغم بعده عن وطنه إلا أن القضية الفلسطينية كانت حاضرة دائما على لسان فادي وأخذ ينقل رسالة الفلسطينيين للعالم وكان أغلب الماليزيين يتعاطفون بشدة مع فلسطين عندما كان العالم أبو محمد يحدثهم عنها".
ولم ينسَ الشهيد فادي جارته الصينية –غير المسلمة-والتي كان دائما يتفقد أحوالها، وهو ما جعلها تعيش حالة من الصدمة والبكاء المستمر منذ حادثة اغتياله والاعلان عن استشهاده، بحسب زوجته.