هل تجبر حماس (إسرائيل)على دفع ثمن مقابل جنودها المأسورين؟

الرسالة نت-فايز أيوب الشيخ

تشن حركة حماس وجناحها العسكري "كتائب القسام" منذ أربعة أعوام، حرباً نفسية على قادة الاحتلال والرأي العام الإسرائيلي، لاسيما عائلات الجنود المأسورين لديها في قطاع غزة، وذلك من خلال بثها من حين لآخر رسائل ومقاطع مصورة تفند فيها الروايات الصهيونية حول مصيرهم.

وتُحمل عائلات الجنود المأسورين، حكومة الاحتلال وقادة الجيش، مسئولية الفشل عن إبقاء مصير أبنائهم مجهولاً، وتطالب بإعادتهم كما أرسلتهم إلى غزة، حيث خرجت هذه العائلات عن صمتها في تكذيب الرواية الإسرائيلية وتصديق رواية حماس والدعوة إلى صفقة تبادل تعيد أبناءها أحياء مقابل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين.

 أهمية الحرب النفسية

ويري الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل في هذا الإطار، أن تحرك عائلات الجنود الإسرائيليين المأسورين للضغط على حكومتهم لدى المقاومة الفلسطينية مرهونا بالوضع السياسي، مؤكداً أن هذه العائلات لن تهدأ أمام حالة التكتم على المعلومات وتأثير أشكال الدعاية التي تصدرها حركة حماس وأجهزتها من حين لآخر، والتي نجحت في جعل إسرائيل وقيادتها يعيشون حالة من الارتباك واللا يقين بشأن الجنود المأسورين في غزة.

وأوضح عوكل لـ"الرسالة" أن الحرب الإعلامية والنفسية التي تخوضها حماس في هذا المضمار "مهمة إلي حد كبير، وأثبتت الحركة أنها تجيد التعامل مع هذا الملف بما يعزز التناقض لدى العدو ويجعل أهالي الجنود يتهمون حكومتهم دائما بالتجاهل والتقصير".

وشدد على أنه كلما طالت الفترة كلما حظي هذا الملف باهتمام أوسع في الشارع الصهيوني، ويجعله يخرج من حيز الفردية والعائلية إلى تشكيل رأي عام إسرائيلي "، مضيفاً " ليس لعامل إطالة الوقت إلا بالمزيد من التحريك، لأن هناك تغذية من قبل المقاومة طوال الوقت".

وحول الوساطة والتدخلات الخارجية للكشف عن مصير الجنود، ذكر عوكل أن هذا الملف يتحرك ويركد من حين لآخر، وفي معظم المرات يكون التدخل مصريا بناء على طلب إسرائيلي، غير أنه لفت إلى أن ذلك يحتاج أن تكون (إسرائيل) مستعدة لدفع الثمن، وهذه المرة فيه شئ من الإهانة لـ(إسرائيل).

وركز عوكل علي أن الثمن الذي يجب أن تدفعه (إسرائيل) قبل البدء في أي مفاوضات يتمثل فيما اشترطته المقاومة وهو الإفراج عن الذين اعتقلتهم من صفقة وفاء الأحرار السابقة، معتبراً أن الموضوع فيه تعقيدات كثيرة، و(إسرائيل) ليست جاهزة للتعامل مع هذا الملف، وخاصة أن المسئولية التي ستقع على الوسطاء في مدى استعدادهم وقدرتهم على تبني أي مفاوضات جديدة بتوفير الضمانات للمقاومة بعدم تكرار ما حدث في صفقة شاليط من تجاوزات إسرائيلية.

 معطيات دفع الثمن!

من ناحيته، ذكر عدنان أبو عامر الكاتب والخبير في الشأن الصهيوني، أن المعطيات الحالية لا تشكل -حتى الآن- ضغوطا قوية على قادة حكومة الاحتلال وجيشه للذهاب إلى صفقة تبادل جديدة مع حركة حماس، مشيراً إلى أن حكومة الاحتلال ترى ضغوط عائلات الجنود المأسورين ليست بذات القوة والزخم الذي كانت عليه إبان أسر الجندي "جلعاد شاليط" في قطاع غزة أنذاك.

وأوضح أبو عامر لـ" الرسالة" أن من أهم المعطيات لعدم استعداد (إسرائيل) لدفع الثمن مقابل استعادة أربعة أسرى-كما يُرجح- لدى المقاومة الفلسطينية، أنه حتى اللحظة ليس هناك ضغوط جدية من قبل عائلتي الضابط "هدار جولدن" والجندي "شاوؤل أرون" على حكومة الاحتلال لإجبارها علي إبرام صفقة تبادل، كما أن الجندي الثالث ينتمي لعائلة أثيوبية وهي أقلية في (إسرائيل)، أما الرابع فهو جندي من بدو النقب وليس له وزن كبير في حساباتهم.

غير أن أبو عامر اعتبر أن ما تقوم به حركة حماس وجناحها العسكري من جهود دعائية وإعلامية في إطار الحرب النفسية، قد يؤثر في الرأي العام الإسرائيلي إلى حدٍ ما، ويمكنها أن تحرك المياه الراكدة في هذا الملف، عاداً أن هذا التأثير يبقي نسبياً، ما لم يحقق ما تصبو إليه حماس من كسر حالة الصمت وغض الطرف من قبل حكومة الاحتلال وجيشها عن الدخول في أي صفقة تبادل جديدة.

وعاد أبو عامر ليؤكد أنه ليس هناك ما يشير إلى قرب صفقة تبادل في ظل عدم وجود رأي عام في (إسرائيل) يساند عائلات الجنود المأسورين في غزة، على اعتبار أن هناك نوعا من التكهن بأن الجنود ليسوا أحياء، منبهاً إلى أن الإسرائيليين لديهم دروس مستفادة مما حصل في صفقة التبادل الأخيرة حين عاد عدد كبير من الأسرى المحررين إلى العمل المسلح، كما أن أي صفقة تبادل جديدة تُشجع حماس على أسر مزيد من الجنود الإسرائيليين.

************ هل تتوفر الضمانات؟

أما مأمون أبو عامر المهتم في الشأن الصهيوني، فيعتقد أن (إسرائيل) غير مستعدة -حتى الآن- لتقديم أثمان لأي صفقة تبادل جديدة، مشيراً إلى أن عائلات الجنود المأسورين لم تُحدث بعد اختراقات نوعية تجبر حكومتها على تبني التبادل بشكل جدي.

وأرجع أبو عامر في حديثه لـ"الرسالة" عدم استعداد الاحتلال لدفع الثمن لعدة أسباب أهمها، أن رئيس حكومة الاحتلال "بنيامين نتنياهو" على المستوى الشخصي ليس لديه الرغبة أن يتقدم في صفقة ثانية في هذا الوقت، وخاصة أن هناك أجندات سياسية إسرائيلية لا زالت متقدمة على ملف الجنود، حيث يلعب-نتنياهو وحكومته- على ورقة أنهم قتلى وليسوا أحياء، فضلاً عن أنه حتى اللحظة لم يستطع ذوو الجنود صناعة حراك ورأي عام ضاغط على حكومتهم.

وأوضح أبو عامر أن الاحتلال لعب في ملف جنوده المأسورين على سياسة الغموض، وذلك بهدف تشتييت الأخيرة وإجبارها على تقديم أدلة حول مصيرهم، ولكن بالمقابل حركة حماس لعبت على قاعدة تحطيم جدار الغموض والصمت الإسرائيلي وبدأت في تقديم بعض الإشارات لذوي الجنود بأن أبناءكم أحياء.

ويرى أبو عامر بأن حماس نجحت في الاستفادة من هذا الجانب النفسي والسيكولوجي في إشغال ذهنية عائلات الجنود المأسورين لديها، وفهموا أن أبناءهم ربما أحياء بعكس الرواية الصهيونية التي كانت تنفي ذلك، منبهاً-في نفس الوقت- إلى أن هذا النجاح لم تتم ترجمته إلى قوة ضغط مباشرة على حكومة الاحتلال بخلاف ما جرى مع عائلة شاليط في حينه.

وتوقع أبو عامر أن الجانب المصري دائماً ما كان يطرح ملف الجنود المأسورين مع حركة حماس، ولكنه لا يرقى إلى الدخول في التفاصيل ويبقى مجرد نقاش يدور حول تحديد وإثبات أنهم أموات أو أحياء، لافتاً إلى أن حديث حماس مع مصر لم يتجاوز المرحلة الأولى وهو ثمن إعطاء المعلومات على قاعدة أن لديها موقف بأنه لا معلومة بدون ثمن، على حد تعبيره.

البث المباشر