قائمة الموقع

"شبرة قمرة" تعيد الحاجة "أم حمدي" إلى أزقة "حمامة"

2018-05-07T16:26:19+03:00
الرسالة- ياسمين عنبر

تحت ظلال الخروب في أزقة "حمامة" كانت نساء حارتنا يجتمعن مع قرب موسمه، يعصرنه ويخرجن الرُب منه، يعصرنه ويخبئنه في الخبيئة تحت درج البيوت، يطبخن الجريشة ويطعمن المزارعين حول القرية.

بينما تنشغل النسوة في عصر الخروب وطبخ الجريشة، كنا نجتمع وبنات الحارة لنلعب الحجلة و"شبرة قمرة"، ولا يتم جمال يومنا إلا بزياراتنا لبعضنا عبر لعبة "ناس وناس".

سبعون عامًا مرت على الذكريات هذه التي مرت على الحاجة "أم حمدي حمادة" والتي لم تنسها يومًا، ترويها لـ"الرسالة" كأنها كانت بالأمس، حيث عاشت 10 أعوام في أزقة "حمامة"، فالذكريات هذه أعيدت إلى قلبها وذهنها في خيام العودة.

"شبرة قمرة شمس نجوم كواكب ليل نهار" كان صوت حفيدات الحاجة الثمانينية "حمادة"  يعكس فرحة على وجهها، تحكي: "علمتهن كل الألعاب الشعبية، ألعاب جدودنا اللي ما عمرنا بننساها".

استغلال "حمادة" لتواجد حفيداتها مجتمعات حولها في مخيم العودة شمال قطاع غزة، جعلها تعلمهن كل الألعاب الشعبية التي حرمنها في ظل الثورة التكنولوجية التي أبعدتهن عن جمال "أيام زمان" كما تحكي.

طرفا الحبل تمسكه فتاتان، بينما تنط وسط الحبل فتاة أخرى، وإذا لم تنط بالطريقة الصحيحة بحيث لا تلمس أرجلها الحبل تخسر دورها وتحل أخرى بدلًا منها وهكذا، مرددات أثناء النط : "شبرة قمرة شمس نجوم كواكب ليل نهار وردة".

هكذا كانت تلعب الحفيدات بينما عادت الحاجة "أم حمدي" بذاكرتها إلى أزقة "حمامة"، تحكي: "كنا نلعبها هاللعبة صيف شتا، كان يمر نص النهار واحنا بنلعبها، والله هالحفيدات رجعوني لأيام حمامة اللي ما بتتكرر".

"احكيلنا يا حجة من خراريف حمامة" طلبنا من الحجة، فأعادت ترتيب شالها وأسدلته على وجهها قليلًا، وبسعادة كبيرة حكت: "بدي أحكيلكم قصة ام غزال"، ونادت حفيداتها فتحلقن حولها.

كانت أم غزال تجول وتصول في مخيم الشاطئ يوميًا تروي حكاياها في "حمامة" من شدة لهفها بالعودة إليها، وهي تربط على خصرها حزاماً حریریاً قدیماً علقت فيه مفتاح منزلها في قريتها وكان یتدلى على خاصرتها الیمنى ویتحرك یمنى ویسرى وتزداد حركته حسب سرعة مشيها.

أم غزال التي كانت تشتاط غضبًا كلما حدثها أحدهم عن استحالة تحقيق حلمها بالعودة إلى حمامة، فتصرخ بأعلى صوتها: "هي المفتاح وصرة الأواعي معي"، وبحزن كبير تختم "أم حمدي": "ماتت ام غزال بس حلم العودة ما مات".

الحفيدة "فوزية" التي وصفتها جدتها بـ"أذكى حفيداتها" متحيزة لها كونها "شبيهتها" بملامحها واسمها، فطنت لحزن جدتها حين الحديث عن "أم غزال" فقامت وراحت الحفيدات يكملن لعبهن.

حجر كبير تناولته الطفلة "فوزية" ورسمت به "الحجلة" وبدن بتقسيم الأدوار على باقي الفتيات معها، تحكي: "ستو علمتنا كيف نلعب كل أشكال الحجلة"، وأخذت بالقفز من مربع إلى آخر.

سعادة الحاجة بدت واضحة وهي التي تتكئ على الخيمة التي نشرت عليها صور قريتهم "حمامة"، "كنا نلعب الحجلة وقت الحصاد وأيام لم الزتونات"، أما "فوزية" الحفيدة فمسكت بأطراف ثوبها التي ترتديه وأكملت لعبها.

رغم كبر سن الثمانينية "أم حمدي" إلا أنها وجهت حفيداتها نحو الموروث الشعبي، فهي تدرك أن الألعاب الشعبية تكشف عن هوية الفلسطيني في أرضه، كما تبرز خبراته وإبداعه وحكمته.

فاستغلت الموروثات الشعبية التي ظهرت جلية في مسيرات العودة كي تعلم حفيداتها ألعاب جداتهن، فهي تعتبر اللعب بعيدًا عن الأجهزة الإلكترونية هو سبب في تأصيل حب الوطن في قلوب الصغار التي راهن جولدا مائير ذات يوم أن الكبار سيموتون والصغار سينسون.

تركنا "أم حمدي" وحفيداتها وهن يتحلقن ليلعبن "طاق طاق طاقية، تعيش الوحدة العربية"، لتقول الحاجة متنهدة: "فش وحدة عربية يا ستي.. ضاعت هيبة العرب بفرقتهم".

اخبار ذات صلة
أزمة في قمرة القيادة
2019-11-14T09:35:00+02:00