في لحظة فارقة من عمر القضية الفلسطينية ووسط دعم غير محدود من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإسرائيل توجت بنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، تمضي خطوات التطبيع بين كل من أبو ظبي والمنامة وقبلهما الرياض مع إسرائيل حثيثا في مساراتها وأبعادها المختلفة.
وأفادت وسائل إعلام أميركية -وكالة أسوشيتد برس وصحيفة واشنطن بوست-أن سفيري الإمارات يوسف العتيبة والبحرين عبد الله بن راشد آل خليفة، التقيا رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في مطعم راق بواشنطن في مارس/آذار الماضي.
وذكرت أسوشيتد برس أن العتيبة وآل خليفة اجتمعا بمطعم "كافي ميلانو" بحي جورج تاون بواشنطن مع المستشار الأميركي والمسؤول في وزارة الخارجية براين هوك وعدد من الصحفيين الأميركيين، ليحضر بعد ذلك نتنياهو وزوجته، و"تحصل أحاديث ودية وتعلو الضحكات".
وبحسب صحيفة واشنطن بوست، فإن العشاء بين الطرفين يسلط الضوء على أحد أسوأ الأسرار المحفوظة في العالم العربي، وهي "العلاقات الهادئة بين إسرائيل والإمارات وبعض من جيرانها العرب الذين يزداد اقترابهم من إسرائيل، رغم عدم اعترافهم رسميا بوجودها".
وتشير الصحيفة إلى أن هناك قضية جديدة مشتركة تجعل هؤلاء أكثر قربا من إسرائيل وهي الوقوف ضد إيران، مشيرة إلى أن اللقاء يلقي الضوء عن "مدى علاقات التعاون الودي بين إسرائيل وبعض من دول الخليج العربي بقيادة السعودية، التي تقوم على وجهة نظر مفادها أن إيران تمثل الآن تهديدا للمنطقة أكثر من إسرائيل".
السياسة والرياضة والصفقات
وتشير تقارير نشرتها الصحف الأميركية والإسرائيلية إلى أن كلا من الإمارات والبحرين والسعودية تجاوزت مرحلة "التعارف" مع إسرائيل لتصل إلى توطيد العلاقات، والتنسيق حول ملفات ساخنة بالمنطقة، خصوصا الملف الفلسطيني في علاقة بما يسمى "صفقة القرن" أو "التهديد الإيراني".
وإضافة إلى لقاءات بين مسؤولي الدول الثلاث ومسؤولين سياسيين وأمنيين إسرائيليين ورجال دين جرت خلال الأشهر والسنوات الأخيرة في واشنطن وعواصم أوروبية، أشارت صحيفة هآرتس إلى عقد لقاءات في تل أبيب، ضمت شخصيات سعودية كبيرة لم تكشف عنها.
وإذا كانت السعودية قد فتحت باب التطبيع على مصراعيه من الجانب السياسي والإعلامي ضمن سياسة الانفتاح الجديدة التي يعتمدها ولي عهدها محمد بن سلمان، فإن الإمارات والبحرين كانتا الأكثر نشاطا في هذا السياق.
وبادر معلقون وكتاب سعوديون بالترحيب بالانفتاح على إسرائيل معتبرين أن تطبيع العلاقات مع تل أبيب يقوم على تحطيم الحاجز النفسي، وهي النظرية نفسها التي اعتمدها الرئيس المصري الراحل أنور السادات في ذهابه إلى القدس وإمضاء معاهدة السلام.
وهذا التوجه الجديد عبرت عنه نخبة إعلامية بينها الباحث والإعلامي عبد الحميد الحكيم الذي هنأ في تغريدة له إسرائيل بمناسبة ما سماه "عيد الاستقلال"، قائلا إن "السياسات الإيرانية هي نفس السياسات النازية التي استهدفت إبادة شعبكم".
من جهته، دعا الكاتب في صحيفة الرياض أحمد الجميعة في مقال له العرب إلى التطبيع مع إسرائيل وإعلان قرار السلام معها للتفرغ لإيران لأنها أخطر من إسرائيل على حد قوله.
عمليات التطبيع التي كانت تجري بشكل سري وعلى استحياء في السنوات الماضية، مثل بعض اللقاءات العابرة أو مشاركة رياضيين بشكل فردي، أصبحت تجري بشكل علني ودون وجل، حيث شاركت كل من الإمارات والبحرين الشهر الماضي في "طواف إيطاليا 2018" للدراجات الهوائية في الأراضي المحتلة، كما واجهت الإمارات المنتخب الإسرائيلي في بطولة أوروبية لكرة الشبكة مؤخرا في جبل طارق.
ولقيت هذه المقابلات التطبيعية -غير المسبوقة- ترحيبا إسرائيليا كبيرا ووصفتها بالاختراق الكبير والانتصار الإسرائيلي كما أكد يوناثان جونين المسؤول بوزارة الخارجية الإسرائيلية، وأوفير جندلمان المتحدث باسم رئيس الوزراء في تغريدتين لهما.
صحيفة "ميدل إيست مونيتور" كانت قد كشفت نقلا عن وثائق من موقع ويكيليكس أن الأمر أبعد من الرياضة، فالتنسيق الاقتصادي والدبلوماسي والأمني والعسكري بين أبو ظبي وتل أبيب يجري على قدم وساق، مشيرة إلى الدور الكبير للسفير يوسف العتيبة في هذا السياق.
وأشارت الصحيفة إلى أن شركات أمنية إسرائيلية أبرزها "إي جي تي" حصلت على عقود حماية مرافق للغاز والنفط بالإمارات، كما تعمل على إقامة منظومات مراقبة إلكترونية في أبوظبي، وأن الإمارات شاركت نهاية عام 2017 في مناورات "العلم الأحمر" باليونان إلى جانب إسرائيل والولايات المتحدة.
وكان وزير خارجية البحرين قد فاجأ قبل أيام الإسرائيليين أنفسهم -كما أكدت صحف إسرائيلية- عندما أيد حق تل أبيب في الدفاع عن النفس بعد قصفها أهدافا في سوريا. وفي أوج الانتفاضة على قرار ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس أواخر العام الماضي، كانت البحرين قد أرسلت وفدا إلى إسرائيل تتويجا لخطوات التقارب.
هذه التصريحات والزيارات تأتي على خلفية علاقات نمت بشكل متسارع بين البحرين وإسرائيل بدأت منذ تسعينيات القرن الماضي توجت بلقاءات على مستوى عال بين قيادات عليا في البلدين خلال السنوات الماضية، وتنسيق في مواضيع أمنية وسياسية وتجارية، كما ذكرت صحف أميركية وإسرائيلية.
السبق والرهان
وبالنسبة للمسؤولين الإسرائيليين، فهم لا يخفون ترحيبهم بتوجهات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الانفتاح على إسرائيل والدفع باتجاه تحقيق "صفقة القرن" بالتعاون مع إدارة ترمب واعتباره القاطرة التي تشد دولا أخرى إلى هذا المسار.
وكان وزير الاتصالات الإسرائيلي أيوب قرّا قد أكد أن السعودية والبحرين والإمارات باتت تدفع بالعلاقات مع إسرائيل إلى الأمام وبشكل علني، مؤكدا أن زيارات المسؤولين من هذه البلدان أصبحت متكررة لكنها غير معلنة.
وأثنى مسؤولون إسرائيليون على الرياض بعد السماح لخطوط الطيران الهندية بالمرور إلى إسرائيل عبر المجال الجوي السعودي، في حين اعتبرته حركة مقاطعة إسرائيل "بي دي أس" ما حصل تطبيعا جديدا.
ولخص رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تنامي علاقات بلاده مع هذه البلدان الثلاثة وبلدان أخرى بقوله إن "العلاقات مع الدول العربية تعيش حاليا تطورا غير مسبوق، وهي أكبر من أي وقت مضى، وهذا تغيير هائل".
وأشار نتنياهو إلى أن الزعماء العرب ليسوا عائقا أمام توسيع العلاقات العربية مع إسرائيل، لكن الشعوب والرأي العام السائد بالشارع العربي هي العائق الأساس أمام ذلك، على حد تعبيره.
وتأمل إسرائيل بتجاوز العائق الشعبي وصعوبة اختراق المجتمع المدني العربي لاستثمار النسق الحثيث لكل من الرياض والمنامة وأبو ظبي والتطبيع الرسمي لتحقيق ما تصبو إليه.
المصدر: الجزيرة