بروبه الأبيض وكوفيته المرقطة بالأسود، وقف الشاب الحلاق "بلال الحصري" يسن موسه منتظرا أحد الثائرين منذ ساعات الصباح من يوم "جمعة النذير" على الحدود الشرقية لمدينة غزة في مخيم العودة "ملكة"، إلا ان جموع المشاركين تهافتت عليه بمجرد أن لمحوه ليحلقوا رؤوسهم بقصة "العودة"، فكانوا طيلة الوقت ينصتون لحكايات كبار السن عن بلدة "عسقلان" وما يمارسونه من طقوس عند الحلاقة وغيرها.
الفعالية التي شهدها موقع "ملكة" الشرقي حيث الثائرين من كل الاعمار، كانت ضمن فعاليات شباب مسجد "الصفا والمروة"، الذين عزموا على القيام بعدة أنشطة ليثبتوا مكانتهم بين خيام "العودة" المنصوبة على الحدود، فراح أهالي البلدة هناك يستعيدون ذكريات بلدتهم التي عايشها من بقي على قيد الحياة وبات يرويها للحضور، وآخرون كانوا يحكون قصصا عنها كما سمعوها من ذويهم.
ومن حين لآخر يعدل الشاب الحلاق كوفيته وعقاله، ليكمل بحماس عمله، ومن حوله الصغار ينتظرون دورهم.
واعتاد شباب مسجد "الصفا والمروة" منذ انطلاق فعاليات مسيرة العودة القيام بعدة أنشطة مختلفة كل جمعة، حيث فرق المديح النبوي والأهازيج الشعبية وإطعام المشاركين للأكلات القديمة التي تصر نساء المسجد على اعدادها للشباب على الخطوط الأولى.
فعاليات جمعة النذير بدأت منذ بزوغ الشمس، حينما اصطف العشرات من الصغار قبل الكبار منتظرين دورهم عند الحلاق الشاب الذي بقي طيلة الوقت مرحبا بهم دون تعب، فبقي يعمل حتى ساعات المساء.
التواجد على الحدود له نكهته المختلفة عن التجول بين أزقة المدينة الصاخبة بمشاكلها التي فرضها الاحتلال والحصار حيث الوجوه العابسة التي تشتكي ضيق الحال، لكن بمجرد تواجدهم على الحدود تجد الضحكة والحماس مرسومة على محياهم، فالجميع يد واحدة كالعائلة يسترجعون ذكريات قراهم.
الحاجة الستينية أم أحمد، كانت تجلس في الخيمة المقابلة للحلاق "بلال" ترى ضحكات الأطفال وهم يحلقون رؤوسهم "بقصة العودة"، بينما هي تعد خبز الصاج برفقة اخريات، وإلى الجانب منها سيدات يقمن بعمل أقراص الفلافل ومن ثم يحشونها ليوصلها الشباب إلى رفقائهم الثائرين في الصفوف الأولى.
وبالقرب منهن كانت مجموعة أخرى من الشباب يعدون الشاي والقهوة ويقدمونها للمارين أمام خيمتهم لاسيما الصحافيين والمسعفين، فطيلة الأربعة أسابيع بقي شباب مسجد "الصفا والمروة" متحمسين خلال فعالياتهم، التي كانت تبدأ قبل صلاة الجمعة حتى المساء.
وبحسب عمر صيام أحد منسقي خيمتي "الصفا والمروة"، فإن العمل في الخيام يكون ممتعا فالجميع يعمل بمحبة، رغم التعب الذي يعانوه، حيث أنهم في اليوم الواحد تعد النساء ما يقارب الثلاثة أكياس من الطحين لإعداد خبز الصاج.
وتحدث صيام، عن الفعاليات التي كانت النسوة يحرصن عليها، وهي الأهازيج التي تحث الشباب على حق العودة، ومواجهة العدو من مبدأ أن الفلسطيني صاحب الأرض، عدا عن القصص والحكايا التي يرويها كبار السن عن القرى المحتلة.
وعن فكرة "حلاق العودة"، يحكي أن الفكرة كانت جديدة حينما حاولوا خلق أفكار تثير الشباب وتحمسهم أكثر، فكان الحلاق فكرته الأفضل حيث أصروا أن يقوم بالحلاقة وفق الأصول القديمة "بالمقص والمشط" كما كانوا في القرى التي هجروا منها، فألبسوه الكوفية والعقال".
كثيرة هي الأفكار الابداعية التي يتفنن الشباب الغزي في استحضارها على الحدود الشرقية مع الاحتلال الاسرائيلي ليحيوا تراث بلداتهم وقراهم التي هجروا منها، وذلك من أجل اثارة الحماس لديهم.