وقف مجلس الأمن دقيقة صمت على أرواح ضحايا المجزرة الإسرائيلية في غزة قبيل جلسة طارئة له، خطوة رمزية رآها الفلسطينيون استعراضية لا تنسيهم صمت المؤسسة الدولية الطويل والمزمن على جرائم إسرائيل، بما كرس إفلاتها من العقاب.
وأثناء جلسة للمجلس دعا المنسق الأممي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف إلى التنديد بالمجزرة بأشد العبارات، كما طالب عدد من أعضاء مجلس الأمن بإجراء تحقيق محايد وشفاف، لكن مندوبة بريطانية كارين بيرس أعربت في الوقت نفسه عن تأييد بريطانيا "لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
والتحقيق الدولي حتى وإن أقر فسيبقى مسارا طويلا ومتشعبا قد ترتكب إسرائيل قبل ظهور نتائجه مجازر أخرى، وما زالت الدول الغربية خصوصا بريطانيا والولايات المتحدة ترى في الجرائم الإسرائيلية دفاعا عن النفس وتساوي بين المدنيين العزل والجيش الإسرائيلي المعزز بالأسلحة الفتاكة.
الجريمة والاعقاب
وفي حين أثارت المجزرة الإسرائيلية كثيرا من المواقف الدولية المنددة وصل بعضها إلى سحب السفراء أو استدعائهم من تل أبيب، مثل ما كان من تركيا وجنوب أفريقيا وأيرلندا، فإن غياب القرار الدولي النافذ وآلية المحاسبة يجعلان إسرائيل في حل من أي التزامات قانونية بخلاف تلك الأخلاقية التي لا يكتبها.
وأشارت تقارير دولية إلى أن ما ارتكبته قوات الاحتلال يعد جرائم قتل جماعي ذات طابع منهجي، وفقا لمبادئ القانون الدولي الإنساني وأحكام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 الخاصة بتنظيم قواعد حماية المدنيين.
وتقول المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بيان إن كل ذلك يضع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية قانونية وأخلاقية في تفعيل اتفاقية جنيف وتأسيس آليات المساءلة والمحاسبة لمنع إفلات الجناة من العقاب وإنهاء الحصانة الممنوحة دوليا للاحتلال، على حد تعبيرها.
وتشهد التقارير وردود الأفعال والوقائع على الأرض والجرائم الإسرائيلية المتكررة -حسب المعهد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان-على الفشل الذريع للمجتمع الدولي في تطبيق اتفاقية جنيف والاتفاقيات الدولية الأخرى، وهو ما أدى لتقويض القانون الدولي، ومنح "تصريحا" بالقتل لسلطات الاحتلال، وارتكاب سلسلة هائلة من جرائم الحرب.
ولعل المجزرة الأخيرة بحجمها ووقتها ودرجة الاستهانة بأرواح الفلسطينيين فيها تؤكد أن فشل النظام الدولي في تطبيق منجزاته القانونية الرئيسية عبر سبعين عاما في الشأن الفلسطيني قد أدى عمليا لإهدار معايير وقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
ويتساءل متابعون عن مصير تقرير غولدستون (تحقيق الأمم المتحدة في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في العام 2008-2009) الذي خلص حينذاك آنذاك إلى ضرورة إحضار العسكريين الإسرائيليين الذين ارتكبوا تلك الجرائم أمام العدالة الدولية لإيقاف دورة العنف (رغم أنه ساوى أيضا بين الضحية والجلاد.
الحصن الأميركي
وفي جلسة مجلس الأمن ذهبت مندوبة أميركا في مجلس الأمن نيكي هيلي إلى تبرير المجزرة الإسرائيلية عبر تحميل حركة حماس المسؤولية عن سقوط الضحايا، واعتبرت أن إسرائيل مارست "الكثير من ضبط النفس"، مع أنها قتلت 63 فلسطينيا وجرحت أكثر من 3000.
وفي حين نفت هيلي ربط القمع الإسرائيلي الدموي بنقل السفارة الأميركية إلى القدس الذي تزامن مع احتجاجات سلمية ضمن إطار مسيرة العودة، وإحياء للذكرى السبعين للنكبة، يؤكد المتابعون أن عملية نقل السفارة ودعم إدارة ترامب اللامحدود لتل أبيب كانا أكبر دافعين لإسرائيل لارتكاب المجزرة بدم بارد.
وكان قرار واشنطن نقل السفارة إلى القدس وافتتاحها تزامنا مع الذكرى السبعين للنكبة بالنسبة للفلسطينيين تأكيدا على الانحياز لإسرائيل خاصة في عهد ترامب، وإنهاء للدور الأميركي وسيطا وإسقاط مبدأ حل الدولتين.
وأضاف ترامب وإدارته الجديدة حصانة جديدة لإسرائيل على الصعيد العسكري والسياسي تجاوز بها الرئيس الأميركي كل الإدارات السابقة، ويأتي في هذا السياق انسحاب الولايات المتحدة من اليونسكو في ديسمبر/كانون الأول لأنها معادية لإسرائيل، كما ورد في بيان لوزارة الخارجية الأميركية.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، استخدمت الولايات المتحدة الفيتو رقم 43 لصالح إسرائيل (منذ السبعينيات) عندما صوتت ضد مشروع قرار يرفض إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها.
ويأتي الفيتو والإجراءات الأخرى ضمن تعهدات واشنطن بحماية إسرائيل وضمان تفوقها على العرب مجتمعين منذ قرار الرئيس هاري ترومان الاعتراف بها عام 1947, واعتبارها الشريك الاستراتيجي في المنطقة الخارج عن الحساب والعقاب.
المصدر: الجزيرة