ربما وجب على الفلسطينيين احياء عادة التحنين أكثر من أي عام سابق، نظرا لأن الحنين هذه المرة مختلف شديد اللوعة كجرح غائر في قلوبهم بعد أن ألغيت فريضة الحج هذا العام بأمر من المملكة العربية السعودية بسبب تفشي فايروس كورونا حول العالم.
هذا العام الذي سيمر بدون فريضة الحج التي كانت مشهدا يجتمع فيه المسلمون، سواء مشاركين أو غير مشاركين، وكأن العشر الأوائل تمر كعيد جميل على بعض القرى الفلسطينية التي كانت تعبر عن هذه المناسبة بما يسمى" التحنين".
مـن البُعـد طلـن جـمـال الحجـاج مـن البُعـد طـلـن .. ع النبـي صلـن يا قـلـوب الحـجـاج ع النـبي صلـن
من البعد طلـت يا جمـال الحجـاج من البعد طلـت.. على النبي صلت قلوب الحجاج على النبي صلت
هذه الأبيات اسمها الترويدة أو التحنين، وهي عادة فلسطينية قديمة تبدأ مع بداية موسم الحج، ورغم أن هذا الموسم يبدو حزينا، إلا أن شبكات التواصل لم تخل من ذكر التحنين الذي ما زال نهجا في بعض القرى في وداع الحجاج واستقبال الأيام الفضيلة.
وتوارثت الأجيال هذه العادة في وداع الحجاج يقوم بها النساء، وتعرف أيضا بـ"الترويدة"، وهي عبارة عن أناشيد وأهازيج لتوديع الحجاج، ويتضح من اسم التحنين بأنها مجموعة من الكلمات التي تعبر عن المشاعر والحنين في وداع حجاج كانت رحلتهم قديما مليئة بالمخاطر.
وتتجمع السيدات في منزل الحجاج المسافرين حاملين معهم القرفة المغلية لتوزيعها على الضيوف، وهدية- على قد الايد- وهي عبارة عن مبلغ من المال يضعونه في يد الحاج المسافر تعبيرا عن رغبتهم في مساعدته بتكاليف الرحلة.
وتجلس النساء في صفوف متقابلة في منزل أحمد الحجاج، ويقمن بترديد الأهازيج، ومن هذه الأهازيج:
"حجنا طاح البحر في يده كيله.. يا رب ترده سالم للعيلة"، و"حجنا طاح البحر في يده الإبريق .. يا رب ترده سالم من الطريق". ومنها أيضاً: "يا زايرين النبي خذوني في معاملكم.. لا أنا حديد ولا روباص أثقِّلْكُمْ".
وينقسم التحنين إلى قسمين: تحنين الذهاب، وتحنين الإياب ولكل نوع طريقته في التعبير واستخدام الكلمات، فتحنين الذهاب مرتبط باللوعة والحزن والخوف على الحاج من متاعب السفر، ولكن تحنين العودة مرتبط بالفرحة لإتمام الفريضة وزيارة قبر الرسول عليه الصلاة والسلام.
ومن أجمل ما يقال في ليالي التحنين في قرى قضاء مدينة نابلس.. المحنن الله حننوا حننوا
المحنن في السما تروحوا وتيجوا سوى يا صحاب النبي.. خذونا معاكم ان نويتوا السفر.. خذونا معاكم ما نصبر بلاكم يا صحاب النبي.. ما نطيق الفراق ما نصبر بلاكم.. خذونا خذونا ان نويتوا السفر لا تفارقونا ما نطيق الفراق لا تفارقونا.
