متغيرات جوهرية فرضتها مسيرات العودة على صعيد الحضور الفلسطيني على الطاولة الدولية والاقليمية، كما نجحت في خلق متغيرات دولية على مستوى الخطاب الدولي وتحقيق رواية متوازنة لصالح القضية من جانب، والحراك الدبلوماسي من جانب آخر.
ونجحت المسيرة وفق مراقبين تحدثت معهم "الرسالة نت" في شق الصورة الامريكية (الإسرائيلية) في يوم نقل السفارة إلى القدس، لتضيف في مقابلها صورة أخرى مصبوغة باللون الأحمر، وتضع وصمة عار على حدث أراده الطرفان أن يمر بهدوء وبلون صاف، إلا أن ذلك لم يحدث.
وربطت غالبية الصحف الاجنبية والدولية حدث المجزرة (الإسرائيلية) بحق المتظاهرين السلميين؛ بحادثة نقل السفارة. ما أحرج الموقف السياسي الامريكي ابتداءً وعرّاه، إضافة لتعريته الموقف العربي واحراجه ونجحت في عرقلة مساعي بعض اطرافه الرامية للتطبيع مع الاحتلال.
وعلى الصعيد الدولي، يرى أمين ابو راشد رئيس مؤسسة البيت الفلسطيني في أوروبا، وجود تحولات كبرى في الموقف الاوروبي على صعيديه الرسمي والشعبي، لصالح القضية الفلسطينية والتفاعل معها انسانيا وسياسيا.
وقال أبو راشد لـ "الرسالة": "نستمع لمواقف دولية جديدة لم نعهدها من قبل، وثمة من بات يصنف جرائم الاحتلال بالإبادة الجماعية، حيث نجحت المسيرة بفرض اجندتها ورواية متوازنة للقضية الفلسطينية امام العالم".
وركّز أبو راشد على وجود فارق في التفاعل الاوروبي مع القضية الفلسطينية، حيث أن الحراك في المراحل السابقة كان يعتمد على مشاركة الفلسطينيين فقط، أما اليوم فالآلاف من الاوروبيين يشاركون في الفعاليات المناهضة للاحتلال، وفي مقدمتهم نواب وقادة احزاب ومستشارون بأوروبا.
وأكدّ أن صناع القرار (الإسرائيلي) بدأوا يستشعرون خطورة حراك الجاليات الفلسطينية، وينظرون لها برعب، فبدأوا بحراك ضدها، منبهًا إلى وجود تحول في العقلية الأوروبية تجاه الحقائق في فلسطين، وأصبح هناك تعاطف وتضامن أكبر مع القضية الفلسطينية.
اقليميًا، فقد نجحت المسيرة ولو في الوقت الراهن بكبح جماح صفقة القرن، واحراج الاطراف العربية المشاركة في هذه الصفقة، "على الاقل نجحت في تأجيلها، ونجحت في قلب صورة حدث نقل السفارة، لتجعل من امريكا طرفا حقيقيا في الجريمة الاسرائيلية ونقلها من مربع التأييد العسكري الى الشريك الميداني في جريمة القتل"، والقول هنا للخبير السياسي الاستراتيجي فهمي هويدي.
يقول هويدي لـ "الرسالة" إن غزة كانت الرهان الوحيد لإسقاط الصفقة، في ضوء حالة التراجع لدور الشعوب العربية، وتآمر انظمة مختلفة ضد القضية الفلسطينية، وارتهان الموقف الفلسطيني الرسمي للأجندة الاقليمية والدولية.
ويؤكد أن غزة نجحت في اعادة الاعتبار للحضور الفلسطيني على الأجندة الاقليمية والدولية، وصنعت متغيرات سياسية نجحت في تغيير رسم الخارطة السياسية الجديدة التي اريد لها تصفية القضية الفلسطينية.
وأوضح هويدي أن ما تسمى بـ"صفقة القرن" جاءت استثمارًا لموقفين أولهما حالة الضعف العربي والثاني موقف الإدارة الأميركية الأشد انتماءً للصهاينة.
وقال: "أغلب الأنظمة العربية في حالة تماهٍ مع الموقف الأمريكي بما يغري مقدمي الصفقة للتقدم بها".
وأوضح أن الموقف العربي يعدّ من أضعف الحلقات التي أغرت واشنطن للتقدم بالصفقة والإصرار على تنفيذها، مشيراً إلى أن (إسرائيل) تتصرف كما أن هناك فراغاً تتمدد فيه كما تشاء، في ظل الحماس الأمريكي الكبير المنسجم مع اليمين الصهيوني بغية التقدم لتنفيذ الصفقة، لكنّ غزة أسقطت هذا الرهان".
ويستدرك هويدي: "هناك فرق بين مخطط الصفقة وفرص نجاحها"، مشيرا إلى أن التقديرات الاستراتيجية لدى (إسرائيل) تؤكد أن وضع الشعوب في المنطقة يشكل قلقا وتهديدا وجوديا لها"