عالم الطفلُ عجيب يُذهِلُ العقل ويحير الفكر، إنه لوحةٌ بيضاء يَخطُّ أول الخطوط فيها أبواه المسؤولان عن تنميته وإرشاده، فهو يرضع مع لبن أمِّه الفكرَ والعادة والسلوك، ويأخذ من أبيه القدوةَ وكيفية التعامل مع الحياة؛ ولذلك كان على الأبوين التدقيقُ وإدراك مراحل نمو الطفل حتى يحسنا التعامل مع كل مرحلة بطريقة صحيحة.
1-مرحلة النطق:
سمَّى بعض الباحثين هذه المرحلة بمرحلة الصِّياح والمناغاة، وهي المرحلة التي يبدأ فيها الطفل بإصدار أصوات غير ذات معنًى، ولكنه يستمرُّ فيها لفترةٍ زمنيةٍ قد تمتدُّ شهورًا، هذه المرحلة يحاول فيها الطفل تنمية جهازه النُّطقي، وإعداده من أجل إصدار حروف اللغة التي سيحادثُ بها مجتمعه، وتكون بوابة التواصل مع المجتمع بأكمله، ولذلك ينصح العلماء الأمَّ في هذه المرحلة بأن تُكثِر من مناغاة طفلها كي يُمرَّنَ جهاز النطق عنده من أجل البدء بتلقِّي الكلمات، وأكثر الأحرف التي ينطقها الطفل، وأسهلها عليه هي الأحرف التي تُسمَّى الأحرف الشفوية: الباء والميم، وكذلك الألف؛ ولهذا نرى أن الأطفال أول ما ينطقون به هو ماما وبابا
2-مرحلة الكلام (التقليد اللغوي):
وتبدأ هذه المرحلة منذ بلوغ الطفل سنته الأولى، أو منذ السنة الثانية، وتستمرُّ حتى ست سنوات، وتُعدُّ هذه المرحلة من أخطر المراحل في تنمية اللغة عند الطفل، وأهمية اللغة لا يجهلها أحد؛ إذ هي عنوان تفكير الإنسان، وهي التي ترسم حالته النفسيَّة، وكذلك تُعبِّر عما يختلجه من مشاعر، وتُصوِّر التربية التي تربَّاها، ففي هذه المرحلة يكون الطفل مستعدًّا لتقليد الكلمات التي تأتيه من مصدرٍ خارجي، وأهم المصادر في تعلُّم اللغة الأم والأب، والأمُّ أهميتها أكبر؛ لأنها متصلةٌ اتصالاً دائمًا بالطفل، وبقاؤها معه أطول من بقاء الأب مع طفله، وقد بيَّن العلماء أن الطفل في هذه المرحلة يستطيع تعلُّم أكثر من لغةٍ.
هذا التكوين اللغوي للطفل يجب أن يكون مترافقًا مع تكوينٍ فكريٍّ ونفسيٍّ؛ بل إن التكوين اللغويَّ لا يتحقق إذا أُغْفِل الجانبان الفكريُّ والنفسيُّ، فكيف ينطق نطقًا سليمًا طفلٌ يعاني من تمزُّق روابط الأسرة، أو يعاني من زَجْر ونهر والديه في كلِّ وقتٍ وفي كلّ ساعةٍ؟!
فعلى الأبوين أن يحاولا إخفاء كلِّ خلافٍ ونزاعٍ يقعُ بينهما عن طفلهما، حتى يكون نمو الطفل سليمًا وسويًّا، نفسيًّا وفكريًّا وجسديًّا؛ كي يكون على أُهْبة الاستعداد لاستقبال المرحلة التالية، وهي مرحلة تواصُله مع المجتمع، إنها مرحلة المدرسة.
إن الخطورة في هذه المرحلة تكون إذا صار الوالدان يلقِّنان طفليهما كلمات خارجة عن الطريق القويم
3- المدرسة وأثرها على النمو:
تُعدُّ المدرسة الأسرة الثانية للطفل، وهي بداية اتصال الطفل واحتكاكه بالمجتمع، فعدمُ الاهتمام بالمدرسة يَعني عدم الحرصِ على نمو طفلٍ، ربَّما سيصبح أحدَ أعمدة النهضة في بلدٍ من البلدان، فعلى الأبوين أن يُحسنا اختيار المدرسة التي سيلتحق بها طفلُهما، وألا يتأخَّرا في إرساله إلى الروضة فهي تُعدُّه لاستقبال المدرسة، التي تعد مجتمعا غريبا وجديد على الطفل، وربَّما يكون لها أكبرُ الأثر في إحباط الطفلِ وجعله غير أهلٍ لتحمُّل المسؤوليات، فكم هو مذنبٌ ذلك الأب الذي يُرسل طفله إلى المدرسة، ولا يتابع مسيرته فيها من حيث الحالةُ الدراسيَّة والنفسيَّة، والمدرسون الذين يعلِّمونه!