اللغة العربية جميلة، ومع أنها كذلك، إلا أنها تأتي قاسية أحيانا في معانيها، خاصة بالنسبة للأسماء.
ويكمن جمال أسماء اللغة العربية أن يجتمع الوصف المختفي وراء الاسم مع هيئة الشخص وخصاله، فيكون "رفيق" نعم الأخ والصديق، و"رابح" أمامه طريق الفلاح مفتوح، و"نبيل" عينة من النبلاء على مر العصور.
ولكنها تكون قاسية أحيانا، وتتجلى تلك القسوة لحظة التناقض، فكم من "جمال" لا يمت للاسم بصفة فتجده قبيح اللفظ والروح، وكم من "رابح" خسر وخسّر من وثق به، كذلك كم من "نبيل" لا يملك من النبل شيئا، وهو ما خان به الاسم صاحبه الفرنكوجزائري نبيل فقير، فغلب لقبه على اسمه، فكان فقير الشهامة والشجاعة ليكون واضحا وصريحا في المرة التي وُضع فيها أمام الاختيار!
لا يمكن لأي جزائري، نسيان ذلك اليوم، حين أعلن الفرنسي كريستيان غوركوف مدرب "الخضر" وقتها، أن الفرنكوجزائري قد اختار الجزائر بصفة نهائية، وأن مسلسله كان عربيا قديما بالأبيض والأسود حيث النهايات دائما ما تكون سعيدة، قبل أن يسقط تصريح رئيس نادي ليون أن نبيل لم يكن نبيلا، وأنه قرر التراجع، وبعد أن صدحت الحناجر فرحة، ذبحها من الوريد إلى الوريد.
فقير كان فقيرا حقا من حيث الشهامة، قبله كثيرون قرروا أن يموتوا بشرف في أعين الجزائريين على العيش بذل، فكانوا صرحاء مع الجميع، أولهم زين الدين زيدان، ثم كريم بنزيما وسمير نصري، وآخرهم رومان حمومة ويوري برشيش، فلم يمنّوا نفس أحد ولم يبنوا أحلاما وردية سرعان ما تصبح كوابيس كسراب يحسبه الظمآن ماء.
نعم الحادثة قديمة، وفقير أصبح دوليا فرنسيا، وحصل على ما وعده به رئيس ناديه جون ميشيل أولاس ومدرب "الديوك" ديدييه ديشامب، لكن الندبة التي تركتها الخديعة لم ينسها الجزائريون، فحتى إصابة الرباط الصليبي لم تشف غليلهم، وهذا يوضح كمية الصدمة التي لم تُنس بتاتا.
اليوم متوسط ميدان ليون وجد نفسه في وضعية لاعب فرنكوجزائري سابق اسمه كمال مريم، فضّل فرنسا على الجزائر، ليشارك في لقاء أو اثنين، ويصبح مشواره الدولي معلقا، لا هو قادر على حجز مكانة مع المنتخب الفرنسي، ولا القوانين تسمح له بالتراجع، وهكذا مع فقير، لا هو قادر على حجز مكانته في المنتخب الفرنسي، سواء بمستواه أو حتى بتصريحاته التي تحمل في طياتها الكثير من التذلل لمدرب فرنسا، لدرجة أن يعرض نفسه أنه قادر على اللعب في كل المناصب حتى في الدفاع، ولا القوانين تسمح له بالتراجع واختيار الجزائر، وإن سمحت له القوانين فلن تسمح له نخوة الجزائريين وكبرياؤهم أن تُفتح الأبواب لأمثاله.
في الجزائر محبو "الخضر"، ورغم وضعيتهم الصعبة، فإنهم يمنون النفس أن يكرر ما فعله ديشامب، ويحرمه من كأس العالم كما أبعده عن كأس أمم أوروبا، وفي الوقت نفسه أن يستدعي برشيش أو حتى حمومة، فالفرق في المواقف من يصنع الرجال.
في الحقيقة، ما يحدث لفقير ليس إلا درسا آخر عن العنصرية المتفشية في فرنسا، فتعددت الحالات ولم يفهم بعضهم الدروس بعد، فكل من بنزيما ونصري أرغموا على الخروج فراخا صغيرة من منتخب "الديوك"، وضُرب بتضحياتهم عرض الحائط.
الأمر ذاته تكرر مع فقير الذي اختار "البلد الزوجة" فرنسا على البلد الأم الجزائر، قبل أن يصبح مخلوعا في أروقة محاكم الكرة, والقصة تنتظر أسماء أخرى لا تزال مترددة، كما هو الحال لحسام عوار ومواهب أخرى لا تزال تؤمن بتكرار تجربة زيدان، فهذا الأخير حالة استثنائية لا تتكرر بتاتا.