مصطفى الصواف
ذهل الناس هنا في فلسطين، كيف تجرأ الجيش اللبناني بالتصدي لقوات الاحتلال الإسرائيلي أول أمس وهم يعلمون أن لا طاقة لهم اليوم بيهود، لا عددا ولا عدة، ولماذا سأل البعض أمن أجل شجرة يريدون جر لبنان البلد الصغير الضعيف إلى حرب مجنونة لا قبل لهم فيها، وهم يرون الجيوش المجيشة والمدججة بالسلاح تقف تتفرج ليس على شجرة تقطع ولكن يتفرجون على أمر اشد فداحة فالأقصى يقلع، ولا تثور كرامتهم.
جيش لبنان قدم نموذجا جديدا وأعطى انطباعا أوليا على أن القضية قضية كرامة وقضية وطن وليس قضية شجرة أو جدار أو بيت، القضية قضية وقف للعدوان من قبل عدو لا يعير اهتمام للمشاعر الوطنية ومصالح الآخرين، الجيش اللبناني في تصديه للعدوان الإسرائيلي يقول أن العقيدة القتالية لدى هذا الجيش مختلفة، فلم يخلي اليوم مواقعه بل عززها، ولم يهرب أمام القصف الإسرائيلي بل تصدى ورد على هذا العدوان وإن سقط منه الشهداء؛ إلا أنه ثار من أجل كرامة وطن، وأصاب العدو في مقتل، وكأن لسان حاله يقول لم يعد لبنان مستباحا اليوم كما كان أمس، ويبدو أن عدوى المقاومة والتصدي للعدو أصابت الجيش اللبناني والقيادة اللبنانية.
ما يلفت الانتباه أن الرئيس اللبناني اصدر أوامره بالتصدي لقوات الاحتلال مهما كان الثمن، موقف جديد، يقول لأصحاب الجيوش التي لا تثور لكرامة أن هناك إمكانية على الأقل للتصدي ومنع العدوان، وإن تمادى العدو فالروح والدم فداءا للوطن.
صحيح أن ما حدث في الجنوب اللبناني يوم الثلاثاء حدثا عابرا وغير مخطط له، رغم إدعاء الاحتلال الإسرائيلي بوجود كمين، فالكمائن وتواجد الجيش في منطقة حدودية مع عدو تسيطر عليه غطرسة القوى، هو أمر طبيعي بل وواجب، ولكن ما حدث كان مفاجئا للعدو الإسرائيلي الذي توقع في مثل هذه الحالة أن يتصدى له ليس الجيش اللبناني؛ ولكن قوى المقاومة، فكانت النقطة الفارقة أن الجيش اللبناني يتصدي ويشتبك ويتبادل إطلاق ويصرع ضابطا إسرائيليا رغم انه يتوقع أن يسقط منه العديد من الشهداء والجرحى كما حدث بالفعل.
العدو الإسرائيلي اعتاد أن يسرح ويمرح في حدودنا العربية في السنوات الأخيرة دون أن يتصدى له جيشا نظاميا، وفي لبنان كان يفعل كل ما يريد ظانا أن المقاومة الإسلامية في لبنان ليس في واردها التصدي، وان ما يسمى بالقوات الدولية ستشكل له غطاء كما كانت في الماضي، وأن الأمر لن يكون أكثر من تقرير من هذه القوات ودعوة من مجلس الأمن بضبط النفس؛ ولكن ما حدث أمر يجعل الجميع متوقفا أمامه، وهو يقول أن زمن إسرائيل الماضي انتهي، واليوم قد نشهد أمرا مختلفا كما شهدنا الثلاثاء الماضي.
يبدو أن المقاومة في جنوب لبنان لن تقف بعد اليوم وحيدة في مواجهة أي عدوان إسرائيلي جديد، بل سيشاركها الجيش الذي طالما تخلي على الأقل في تقديم الدعم للمقاومة، وهذا يعطي مؤشرات بأن العقيدة القتالية اختلفت عن الماضي.
رسالة الجيش اللبناني كانت صفعة لكل المتخاذلين من العرب والذين يرددون كثيرا من العبارات المحبطة والدالة على انهزام نفسي، ويؤكدون أن هناك إمكانية للتصدي، فهل فهم أصحاب شعار ( لا قبل لنا اليوم بإسرائيل) من زعماء وملوك وأمراء؟.