مجرد أن أنهى الشهيد "سامر الشوا" امتحاناته النهائية في الجامعة الإسلامية، بدأ يخطط مع عائلته ليوم تخرجه، أي بدلة سيرتدي، وأين سيكون مكان جلوسهم بين الحضور ليتمكن من رؤيتهم، وحجم الزغاريد التي ستطلقها والدته، وكذلك لوحات التخرج التي ستحملها شقيقاته بوسم #سامر_خريج.
أحلام كثيرة راودت الشهيد "الشوا" مع عائلته ليوم تخرجه المنتظر فكان متلهفا ليأتي ذلك اليوم الذي انتظره بعد اربع سنوات، لكن رصاصة الاحتلال قنصته وأفسدت فرحته وعائلته فنال الشهادة الأسمى وارتقى إلى السموات العليا مع الشهداء الذين رافقهم في الرابع عشر من أيار.
بعدما نال الشهادة العليا، كتمت والدته زغرودة تخرجه مرتين، الأولى حينما تفوق في الثانوية العامة وقت العدوان على غزة 2014، والثانية بتخرجه الجامعي حين غيبته رصاصة غادرة، لكن زغرودة اخرى دوت حينما جاء محملا على الأكتاف لوداع عائلته وهو شهيد.
كيف لحلم التخرج البسيط أن تقتله رصاصة ويصبح حسرة تأكل قلب ذويه بصمت.. كلما سمعوا أنشودة للخريجين! من سيطبطب على قلب أمه حين تلمح صورهم وهم يصطفون بشهاداتهم يشيحون بأيديهم الى امهاتهم ويطلبون منهن أن يطلقن زغاريدهن.
ثم كيف لمزحة من أخيه تامر مع أبيه.. بقوله "سامر راح يجي شهيد" أن تنقلب بعد ساعة الى كابوس يلاحقه! سيسأل نفسه كثيرا ما الذي انطقني هذا! سيتمنى مرارا لو أنه أضغاث أحلام ويصحو بعد قليل.. الا أنه الواقع الابدي.
بعد ساعات من مزحته اتصل تامر ليطمئن على أخيه لكن الذي رد عليه هو المسعف "ألو صاحب هاد الجوال مصاب وتم نقله للمشفى"، ليشتد الصراع مع تامر ويصرخ بصوت على "لو سمحت هات سامر" لكنها كانت الحقيقة التي لم يقدر تامر على تصديقها.
هرول شقيق الشهيد مسرعاً إلى مستشفى الشفاء باحثاً عنه ليجده في غرفة العمليات في حالة حرجة ليبقى في صراع بين الفناء والبقاء، منقولاً إلى العناية المركزة، ولم يتوقع تامر ان يكون أخوه ورفيق دربه شهيداً.
وقبل خروجه لمسيرات العودة طلب منه أخوه تامر أن يذهب "مشواراً" لكن سامر اعتذر له بسبب استعجاله للذهاب للمسيرة، لكن تامر لم يشعر أنه يهرول مسرعاً ليذهب إلى الجنة.
ويحكي صديقه محمد حين سئل عن سامر "لا أعرف عن ماذا أتكلم.. عن أدبه وأخلاقه أم عن همته ومثابرته أم عن حبه لإخوانه وبسمته في وجوههم".
سامر أمير مرحلة البراعم، كان حريصا على تربية الاجيال الصاعدة في الزاوية الخلفية من المسجد على حب أرضهم ونصرة دينهم فكان أول من قدم نفسه لأرضه ودينه، فزوايا مسجده ستشهد له بحرصه على السطر الاول.
ذاكرة "محمد" وروحه مليئة بضحكات سامر التي لا تنسى، وابتسامته التي كان يتحدث عنها بسعادة، ويقول:" صديقي الشهيد كان يحرص على استغلال شهر رمضان بالطاعات لكن هذه المرة جاء من دونه".
على حدود غزة وعلى بعد أمتار من البلاد المحتلة وقف "سامر" وصديقه أحمد، تلبية لنداء الوطن ليصبح الأول بعد دقائق من حضوره برفقة صديقه مسعفا، بسبب نقص الطواقم الطبية.
ويحكي "احمد" أن صديقه الشهيد نجح بنقل العديد من الاصابات للخلف لكن بعد ذلك حمل بسبب اصابته بطلق من قوات الاحتلال في الخصر.
رمضان هذا العام سيكون قاسيا على والدته، فهو لن يساعدها في تجهيز مائدة الافطار ولن يقوم بعد اليوم بتجهيز السحور معها، فقد رحل سريعا حتى دون أن تفرح بتخرجه بعد شهر واحد.