منذ الإعلان عن مسيرات العودة نهاية مارس الماضي بدأت بورصة المبادرات بالارتفاع الأمر الذي تمخض عنه أكثر من مؤتمر بهدف انقاذ القطاع، بعد حراك أوروبي وزيارات شملت غزة.
تلك الوتيرة ازدادت بعد الـ14 من مايو عبر العديد من الأفكار المطروحة على الساحة والتي تناقلت أخبارها وسائل الإعلام العربية والعبرية على حد سواء بهدف احتواء الوضع في القطاع في ظل خسائر دبلوماسية وسياسية أضرت بالاحتلال على المستوى الدولي.
رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، قال "إن حركته استقبلت خلال الفترة الماضية وما زالت الكثير من العروض والوفود والتصورات لكيفية التعامل مع قضايا غزة وحصارها"، مضيفا "نشهد بداية حقيقية وخطوات جادة على طريق رفع الحصار عن قطاع غزة".
وبحسب المعطيات والمعلومات لدى "الرسالة" فإن الأطراف الفاعلة في هذا المجال هي الاحتلال وأمريكا ومصر بمساعدة أطراف حاضرة ببعدها المالي كقطر والامارات.
وتشير المعلومات إلى أن القائمين على تلك المبادرات وضعوا عدة سيناريوهات لتحسين الوضع الإنساني والتخفيف عن القطاع، عبر رزمة من المشاريع التي من الممكن أن تقام في غزة، بالإضافة لتوفير الرواتب لموظفي غزة والسلطة.
المعطل الأساس بحسب مصادر مطلعة هي السلطة الفلسطينية التي مازالت تحجم عن القيام بالدور المطلوب منها لذا هناك بحث جار عن أطراف بديلة، وهو ما يفسر دخول الدور المصري وفتح المعبر، والذي سيتبعه إجراءات تفعيل النشاط التجاري بين مصر والقطاع.
اللافت في الأمر أن إدخال البضائع يتم عبر بوابة صلاح الدين وليس معبر كرم أبو سالم وهو ما يسمح بزيادة مدخولات الإدارة في غزة.
في المقابل فإن أطرافا أوروبية فاعلة تتقدم في أكثر من اتجاه في انتظار موقف نهائي من السلطة، في ظل حرصها على دور لها لارتباطها بأدوار فنية ومالية من الممكن أن تسهل المهمة في حال قبلت بذلك.
صحيفة "يديعوت أحرونوت"، تحدثت عن خطة "مارشال" لتحسين أوضاع قطاع غزة بإشراف دولي، حيث قال كاتب المقال، رون بن يشاي، الخبير العسكري وثيق الصلة بالمؤسسة العسكرية الإسرائيلية "إن هذه الخطة تمت مناقشتها الأسبوع الماضي في واشنطن، والتي من المرجح أن تدعو إلى قمة تشارك بها دول عربية وأوروبية، بجانب (إسرائيل) والسلطة الفلسطينية ومصر برعاية ودعم من البيت الأبيض".
لكن بن يشاي استدرك بالقول "هناك عقبات تعترض تنفيذ مثل هذه الخطة، أولها غياب سلطة مدنية تقوم بالإشراف على تنفيذ هذه المشاريع، وغياب هدنة مستمرة بين حماس و(إسرائيل)، ما يهدد بتدمير تلك المشاريع من البنى التحتية كما حصل في حروب سابقة".
وأكد الكاتب أنه "طالما أن السلطة الفلسطينية و(إسرائيل) ترفضان أي إعمار لغزة، وتحسين لظروفها، ما لم تسلم حماس سلاحها، فإن بقاء الانسداد الإنساني والاقتصادي والإداري في غزة ليس قدرا من السماء، ما يحتم الحاجة للتوصل لخطة مارشال إنسانية واقتصادية، من خلال صيغة الهدنة التي تحدث عنها مؤخرا عدد من قادة حماس للمخابرات المصرية".
حالة الاحجام التي تصر عليها السلطة دفعت لدراسة مقترحات بديلة قائمة على أفكار تتحدث عن إمكانية تشكيل لجنة إدارية في القطاع، أو تكليف الأمم المتحدة بمهام جديدة في غزة.
وتؤكد المعلومات لدى "الرسالة" أن غزة لديها اشتراطات بعدم استغلال السلطة للحالة الإنسانية في غزة بتنمية مواردها المالية، بالإضافة لعدم ربط أي تحسينات إنسانية بشروط وصفقات سياسية.
رون بن يشاي قال إن "استمرار الأزمة الإنسانية في قطاع غزة يتطلب دخول جهات إقليمية ودولية على الخط، وعدم إبقائها مقتصرة على التدخل الإسرائيلي، عبر إصدار قرار دولي للتوصل إلى صيغة تضع حدا للعنف المتجدد في غزة بين حين وآخر، دون الإصرار على تنازل حماس عن سلاحها".
وأضاف: "هذا التوجه قد ينجح من خلال إدارة مصرية، ومراقبين من الأمم المتحدة والجامعة العربية، يقومون بتشكيل جهاز سلطوي مدني مشترك بين حماس والسلطة الفلسطينية، على أن تكون هذه الترتيبات في غزة بعيدة عن أن تكون حصرية بالدور الإسرائيلي، ومع ذلك فإن إمكانية التوصل لتطبيق هذه الصيغة تساوي المخاطرة بها".
الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة أشار إلى تراجع في تصريحات الاحتلال وخاصة على لسان ليبرمان الذي كان دائما ما يربط البعد الإنساني بشروط سياسية كالتهدئة وسلاح المقاومة، إلا أن ذلك يعد دلالة على الفصل الآن ما بين الجانبين السياسي والإنساني.
وبحسب عفيفة فإن الخطير في القضية أن السلطة من الأطراف المعطلة، موضحا أن المعلومات تبين أنها تعطي إشارات للاحتلال في حال تجاوزها إلى وقف التنسيق الأمني وهو ما يجعل الاحتلال يتعامل بحذر مع الموضوع.
ويشير إلى أن حماس معنية أن تبقى الأمور في إطار الوعود، كما أن رفض الربط بين الإطار السياسي والإنساني مهم.
ويقدر عفيفة أن حماس ليس لديها مانع في رفع الحصار خاصة وأنها ضمن المطالب المعلنة في المسيرات، موضحا أنه طلب واقعي ومهم.
وفي ظل الحديث المستمر عن المبادرات تبقى الأيام القليلة القادمة كفيلة بإظهار حقيقة تلك المبادرات، خاصة أن الجميع بما فيهم الاحتلال يعي أن الحصار يشكل دافعا ذاتيا ووقودا لاستمرار مسيرات العودة لأطول فترة ممكنة، مع التأكيد على حاجة القطاع إلى كسر حقيقي للحصار وليس تحسين الظروف الإنسانية من خلال حلول جذرية للمشاكل المرتبطة بالبطالة والفقر والاكتظاظ السكاني والكهرباء والماء.