أوصدت السلطة الفلسطينية باب التعيينات منذ العام 2007 أمام سكان قطاع غزة لكنه بقي مواربًا لتعيين أبناء المسؤولين وقيادات حركة فتح والعمل على ترقية آخرين منهم من تحت الطاولة؛ لتصبح الوظيفة العمومية "طابو" مخصص لمسؤولي السلطة وابنائهم.
وفي ظل نسب الفقر والبطالة غير المسبوقة في قطاع غزة جرت خلال السنوات العشر الماضية تعيينات سرية لأبناء المسؤولين والمتنفذين في السلطة.
صحيفة الرسالة حصلت على معلومات مؤكدة تشير إلى تعيين أبناء قيادات فتحاوية وقيادات أجهزة أمنية سابقين، اضافة لأبناء مسؤولين في فصائل "م.ت.ف" في السلك الحكومي للسلطة، وتحديدا في الجهاز الأمني، وتجري هذه التعيينات بعيداً عن القانون ودون إعلانات أو مسابقات.
25 موظفًا في مركز التخطيط جرى تعيينهم من طرف تنظيم مجدلاني بدون إعلانات
الرسالة تفتح ملف تعيينات السلطة في قطاع غزة بشكل سري وحصري على أشخاص بعينهم بعيداً عن القانون.
وقد حصلت الرسالة نت على معلومات حول تعيين أشخاص تابعين لفصائل منظمة التحرير في السلك المالي للسلطة بدون اعلانات او اجراء مسابقات توظيف، وباتوا موظفين رسميين يتلقون رواتب من وزارة المالية التابعة للسلطة، كما الحال في مركز التخطيط التابع لمنظمة التحرير وكذلك اجراء تعيينات بدون اعلانات في هيئة الاذاعة والتلفزيون في غزة.
دورات عسكرية
ووصل معد التحقيق لمعلومات من مصادر تعمل في مكتب الرئيس حول التحاق بعض ابناء مسؤولي السلطة وحركة فتح السابقين في غزة بدورات عسكرية في رام الله، كان آخرها التحاق 23شخصا من ابناء غزة في دورة عسكرية جرت في اريحا عام 2014، التحق فيها عدد من ابناء قيادات الاجهزة الامنية السابقين وتحديدا في حرس الرئاسة.
وتقصى معد التحقيق للتأكد من بعض الاسماء والتي كان من بينها اسم نجل أحد قادة جهاز حرس الرئاسة السابقين محمود كشلو وتعمل زوجته مديرا في هيئة التوجيه السياسي سابقا، أما نجله "حاتم كشلو" فقد التحق بدورة عسكرية في أريحا، ويظهر الشاب في حسابه عبر فيسبوك صورة أثناء التدريب بكلية الشرطة في اريحا، كما تمكنت الرسالة من توثيق تلك المعلومة عبر أحد زملائه المشاركين في الدورة.
مدراء مكاتب وزراء غزة جرى تعيينهم بدون معايير قانونية
وبالتواصل مع ابو حاتم كشلو، أقرّ في حديثه للرسالة: "ليس من السهل أن يلتحق أي شخص من قطاع غزة في هذه الدورات العسكرية"، رافضا الحديث عن كيفية التحاق نجله بهذه الدورة.
ليس ذلك فحسب، بل ذهبت قيادات فتحاوية وازنة بتعيين أبنائها من بينهم أعضاء لجنة مركزية في غزة ومستشارين لمحمود عباس، أبرزهم وكمال الشرافي ومحمود الهباش ومحافظ الشمال صلاح أبو وردة.
وطبقا لوثيقة حصلت عليها الرسالة، فإن الهباش تمكن من نقل شقيق زوجته ويدعى محمد يوسف محمود بارود المولود عام 84، من العمل في جهاز الشرطة البحرية ضمن تفريغات 2005، للعمل مديرًا لمكتب وزير الاوقاف وجرى تثبيته على الكادر الوظيفي للسلطة، ثم مديرا للعلاقات الدولية في الوزارة.
وثيقة اخرى حصلت عليها الرسالة تكشف تعيين علاء نجل كمال الشرافي معاونًا في النيابة كما الحال مع أنس نجل محمود الهباش.
كذلك جرى تعيين علاء كمال الشرافي من مواليد عام 1991، وكيل نيابة في رام الله.
تعيينات في النيابة بدون تطابق الشروط عليهم والمعيار الوحيد الواسطة
كما جرى تعيين شقيق الفنان محمد عساف واسمه "شادي جبر عبد الرحمن عساف" مواليد عام 85م ، وهي معلومات أكدتها مصادر تعمل في مكتب وزارة المالية برام الله.
>وحصلت الرسالة على معلومات تؤكد أن ثمانية أشخاص اضيفوا مجددا ضمن بند العقود السنوية التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون، وتم استيعاب ثلاثة منهم فقط، فيما تشير المصادر إلى أن هؤلاء الثلاثة تم اختيارهم بدون عقد مسابقات خلافا لما هو متبع في الضفة على ذات الفئة الوظيفية حيث يخضع اصحاب العقود السنوية لاختبارات.
ولم ينف نائب رئيس نقابة الصحفيين تحسين الاسطل اختيار الثلاثة، إذ جرى اختيارهم للضرورة الملحة ويمتازون بالكفاءة والمهنية وعددهم قليل جدا بالنسبة لعملية التعيين التي تجري في هيئة الاذاعة والتلفزيون بالضفة، وذلك بسبب الأعداد الكبيرة لموظفي الهيئة في غزة.
تعيينات غير قانونية
الخبير الاقتصادي الدكتور أسامة نوفل، كشف عن تعيينات جرت لمحسوبين على حركة فتح من سكان غزة في اجهزة السلطة دون الاعلان عن ذلك رسميا عبر وسائل الاعلام في ظل عدم توفر مفاهيم الشفافية والنزاهة المتعلقة بالمعايير العامة، والتي تنص على ضرورة الاعلان عن عملية التوظيف في السلك العام عبر وسائل الاعلام، مشيرا إلى أن عمليات التعيين تركزت في الاجهزة الامنية وبعضهم عيّن في القطاع العام دون مباشرة وظائفهم.
صرصور: أعضاء بمركزية فتح تدخلوا في سياسة التعيينات لدى القضاء
ويبيّن نوفل في حديثه للرسالة نت أن من بين الوظائف التي تمت اختيار مدراء مكاتب الوزراء في غزة، دون الاعلان عن ذلك رسميا، كما أن عملية التعيين تمت لأشخاص التحقوا بدورات عسكرية بالضفة عبر طرق مختلفة من بينها الالتحاق بالدراسة أو العلاج في الضفة.
وذكر نوفل أن هؤلاء تم تعيينهم على السلك الحكومي دون معرفة الوزارات بما يشير الى شبهة فساد في عملية التعيين، موضحًا أن عمليات التعيين تحسب تلقائيا على حصة غزة، رغم أن عملية التوظيف توقفت عمليا منذ عام 2007 باستثناء هؤلاء الاشخاص.
الهباش نقل أحد أقارب زوجته من ملفات 2005 لـلعمل مديرا للعلاقات الدولية في الأوقاف
واوضح أن عمليات التعيين تتم من خلال علاقات شخصية وتنظيمية وبتزكية جهات أمنية، خلافا للتعيينات التي تتم في الضفة والتي تجري بشكل عام من خلال الاعلان عبر الصحف في مجال تعيينات الاجهزة الامنية ومسابقات علنية.
وأشار نوفل إلى أن عدد موظفي السلطة عام 2007 كان 67 ألفا وتراجع إلى 62 ألف حتى ابريل الماضي، حيث تم احالة 15 ألف موظف مدني وعسكري الى التقاعد، ليصبح عددهم تقريبا 47 ألف موظف.
ومن بين القطاعات التي جرت فيها عمليات التعيين بصمت شديد قطاع الهيئة والتلفزيون، حيث جرى تعيين مجموعات على ملف السلطة دون الاعلان عن وظائف شاغرة على غرار ما فعل وزراء غزة بتعيين مدراء مكاتبهم دون الاعلان عن ذلك، مشيرا الى ان تعيينات هيئة الاذاعة تتم بشكل شخصي وبدون اعلانات واضحة، كما يقول نوفل.
ولفت نوفل إلى أن الخطورة تكمن في تركيز عملية التعيين على السلك الامني والعسكري، ما يشي بوجود أهداف سلبية تتجاوز عمليات التعيين من اجل الخدمة المدنية.
موظفون بهيئة التلفزيون جرى تعيينهم بعقود دون مقابلات خلافا لما يجري بالضفة
وعن عملية التعيين، ذكر أن منهم من يتم تعيينه في الضفة بعد توجهه إلى هناك تحت غطاء وحجج مختلفة من بينها التوجه للعلاج أو الدراسة، حيث يتم تجنيدهم والتحاقهم في الاجهزة الامنية، وآخرون يتم تعيينهم في غزة في مهام امنية أكثر منها خدمة لصالح القطاع الحكومي.
وردًا على سؤال فيما يتعلق بمشروعية عمليات التوظيف من خلال التحاق بعضهم في دورات عسكرية، أجاب: "أن عملية الاختيار وإدراج اسمائهم في الاجهزة الامنية والكليات الامنية لا تتم غالبا الا عبر واسطة ومحسوبية، وتتم لشخصيات محسوبة على الامن وحركة فتح بشكل اساسي".
أمان: وظائف وهمية وأشخاص محسوبون على السلطة يعملون في مكاتب لفتح والمنظمة
كوتة مركز التخطيط
وفي ضوء ما كشفه التحقيق من معلومات، يؤكد نوفل أن جميع الفصائل المنضوية تحت اطار المنظمة لها كوتة خاصة في التعيينات، منها على سبيل المثال تم تعيين ما يزيد عن 25 شخصًا من جبهة النضال الشعبي التي يتزعمها احمد مجدلاني، في مركز التخطيط التابع لمنظمة التحرير ويتقاضون رواتبهم من السلطة الفلسطينية.
مسؤول جبهة النضال في غزة رفيق أبو ضلفة، أقر في حديثه للرسالة ما تحدث به نوفل، مؤكدًا وجود عدد لا بأس به من التنظيم معينين في المركز بالضفة، "نحن في الجبهة بغزة لا نعرف شيئا عنها ولا علاقة لنا بها من قريب أو بعيد، هناك شكاوي تأتينا حول تعيينات تتم بطريقة غير قانونية".
يضيف: "المركز يخضع لإشراف مجدلاني أمين عام الجبهة، لكن دعني اتفق على ضرورة الالتزام بالقانون وأن تتم التعيينات من خلال مسابقات ولكن في الحقيقة استمعت إلى وجود خلل في ذلك، ويجب اعادة النظر بهذه الاجراءات لأن الوظيفة العامة حق لكل مواطن يجب ان يتمتع به".
ويؤكد أبو ضلفة أنّه يعارض مع اقتصار الوظيفة على ابناء تنظيم بعينه كما الحال في تعيينات المركز وغيره، مضيفا أن الامور لا تسير وفقا للنظام والاصول، فكيف يعين شخص وكيل نيابة ومعدله لا يتجاوز 50%، في اشارة الى نجلي محمود الهباش وكمال الشرافي.
وظائف وهمية
وعززّ حديث نوفل حول تعيينات وهمية في السلطة لأشخاص محسوبين على فتح وفصائل منظمة التحرير، ما كشفه ائتلاف "أمان" للنزاهة والشفافية، حيث يقول المدير التنفيذي لـ"أمان" مجدي أبو زيد، إن هناك وظائف وهمية، أو احتساب شخصيات على الخدمة المدنية، وهم يعملون في مكاتب تنظيمية تابعة لفتح وفصائل منظمة التحرير".
وذكر أبو زيد أن ديوان الموظفين رغم محاولاته تقليص عدد هؤلاء الأفراد إلا أنه لا يزال خلل قائم في هذا الجانب حتى اللحظة، إضافة الى وجود إشكالية في الامتيازات التي تقدم على الراتب الأساسي.
وأوضح أن المشكلة لا تتمثل في فاتورة الراتب الأساسي بل تتمثل فيما يضاف اليها من امتيازات وظيفية كبيرة يحصل عليها الموظف، وأغلبها تتركز في الفئات العليا، وبعضهم يحصل على رواتب خيالية، مشيرا الى أن هذه المشكلة تتركز في المؤسسات الحكومية غير الوزارية تحديداً، مثل سلطة النقد وهيئة المال ولجنة الانتخابات العليا وغيرها.
خريشة: وظائف غزة والترقيات طابو مسجل باسم المسؤولين وذويهم
وذكر أن راتب بعض مسؤولي هذه الهيئات يتجاوز 15 ألف دولار في وقت يقر فيه القانون بأن راتب رئيس السلطة 10 آلاف دولار، عدا عن الامتيازات الكبيرة التي يتمتع بها بعض العاملين في هذه السلطات، وذلك بسبب غياب إقرار الأنظمة المالية الخاصة برواتب هذه الهيئات.
وبيّن أن مجلس الوزراء حاول تشكيل لجنة لمتابعة الملف، لكنها لم ترفع توصياتها ولم يعد يعرف عنها شئ، نتيجة الضغوط التي مارسها أصحاب النفوذ في هذه المؤسسات، وتم تعليق عملها، كما يقول.
طابو النيابة والقضاء
وفي غضون ذلك، كشف رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق في الضفة سامي صرصور، عن سيطرة وتدخل حركة "فتح" وحكومة رامي الحمد الله في عمل القضاء بشكل غير قانوني، وتعيينات جرت في هذا المكان بدون استناد قانوني.
ويقول صرصور لـ"الرسالة" إنّ القضاء في الضفة يتعرض لتدخلات وضغوط سواء من السلطة التنفيذية أو من شخصيات سياسية في حركة فتح، مشيرا إلى أن وزير العدل على أبو دياك تقدم بمقترح للحكومة في شهر مايو الماضي بإقرار تعديلات على قانون السلطة القضائية، يتيح بموجبها لرئيس السلطة إقالة أي قاض في حال بلغ سنا معينة، وتعيين المحكمة العليا بالعودة إليه، معتبرًا ذلك تعدياً من السلطة التنفيذية على القضائية.
مسارات: التعيينات يشوبها "فساد وواسطة ومحسوبية ومحاباة"
وأوضح صرصور أن الدستور بموجب المادة 43 منح الرئيس إصدار بعض القوانين في السلطة القضائية في حال الضرورة "ولكن لا يوجد هناك ضرورة حقيقية تستوجب اجراء هذه التعديلات، واستباحة السلطة القضائية"، مشيرا إلى ان المجلس الأعلى للقضاء في رام الله رفض هذه التعديلات.
وأكدّ أنه لا يجوز من حيث المبدأ التدخل في قوانين السلطة القضائية من مجلس الوزراء، مشيرا إلى أن القضاء بشكل عام لا يشعر بالاستقلالية في الضفة نظرًا لحجم التدخلات من الحكومة التي بات مناط بوزارة العدل فيها مناقشة ميزانيات القضاء، وهذا أمر يتعارض مع قانون استقلال السلطة القضائية الذي جرى إقراره عام 2002م.
وكشف رئيس مجلس القضاء الأعلى أنه جرى تعيين قضاة في المجلس خلافاً للمادة الـ16 من قانون السلطة القضائية، الذي ينص على انه لا يجوز تعيين أي قاض لرئاسة أي محكمة إلا بتنسيب من القضاء الأعلى وبعدها يصدر الرئيس قرار تعيينه، وإن لم يتم تنسيبه من القضاء الأعلى فـيعد تعيينه باطلاً.
خبير اقتصادي: التركيز في التعيينات جرى على الجانب الأمني
وبيّن أن رئيس السلطة أصدر قرار تعيين على مهنا في محكمة العدل العليا بدون تنسيب مجلس القضاء، وبعد اعتراض المجلس استجاب الرئيس وأنهى خدماته، مشيرا إلى أن عددًا من رؤساء المحاكم جرى تعيينهم بدون تنسيب، و"كان تعيينًا باطلا ويعتبر أحد الاعتداءات على قانون استقلال السلطة القضائية"، وفق قوله.
وبالنسبة لتعيينات النيابة العامة، أوضح أنه جرى تعيين شخصيات في النيابة بدون تطابق الشروط عليهم لا من حيث المعدل أو الاقدمية ولا حتى الكفاءة، وتابع "فقط جرى تعيينهم بناء على مواقع نفوذ ذويهم وقربهم من صناع القرار"، مؤكداً أنّ هذه التعيينات أخلت بواجبات الوظيفة، والمعايير التي يجب من خلالها التعيين في الوظائف العمومية، وهذه كلها مؤشرات فساد.
محادثة خاصة مع أحد الملتحقين بالدورة العسكرية في اريحا
وصاية فتحاوية
ولم يقتصر التدخل في عمل السلطة القضائية على الرئيس وحكومته فحسب، بل تجاوز ذلك لتدخل أعضاء اللجنة المركزية لفتح في القضاء والتدخل في موقع رئيس المجلس، كما حدث مع صرصور الذي يكشف تفاصيل جديدة عن المؤامرة التي احيكت لعزله عن رئاسة القضاء.
ورأى أن عضو مركزية فتح توفيق الطيراوي كان مدفوعًا ومسيرا من جهات أخرى للاطاحة به، خاصة وأن رئيس الحكومة رامي الحمد الله كان يرغب في تعيين شخصية أخرى لرئاسة مجلس القضاء، "وبعد تعييني بثمانية أشهر باتت المؤامرات تحاك بطرق مختلفة آخرها ما فعله الطيراوي"، وفق قوله.
جبهة النضال: عدد كبير من أعضاء التنظيم معينون بمركز التخطيط وغزة لا نعرف عنه شيئا
ويشير إلى أنه جرى تعيينه نائبا لرئيس المجلس الأعلى للقضاء منذ 2002، ومنذ ذلك الوقت وحتى قرار إقالته عام 2016، جرى تعيين ثلاثة لرئاسة المجلس الأعلى للقضاء بعد موسى الصوراني بدون تنسيب من المجلس الأعلى، "بما يشكل انتهاكًا مزدوجًا بالتعدي على حق مكتسب لي بصفتي نائبا للرئيس، وتجاوز لمبدأ تنسيب القضاة من المجلس الأعلى".
وأكدّ أنّ صدور قرار التعيين من الرئيس عباس لهؤلاء القضاة يشكل انتهاكًا للمادة 18 من القانون، متسائلاً عن الجهة التي ينبغي أن تحقق في هذه القضية.
فساد ومحسوبية
الرئيس الثاني للمجلس التشريعي النائب حسن خريشة يقول إن عملية التعيينات الجارية في غزة على سلك السلطة الفلسطينية، لا تخضع لأي معيار من معايير النزاهة والشفافية، وهدفها التمييز بين فئات الشعب الفلسطيني، "فابن المسؤول يوظف ومن يقدم ويضحي لا يملك راتبًا.
ويضيف خريشة أن عمليات التوظيف في سلك السلطة بغزة والترقيات هي "طابو مخصص للبلاط الملكي وحاشية الرئيس التي تزين له الخير شرا والشر خيرا"، على حد تعبيره.
مسؤول جرى تعيين نجله: ليس من السهل لأي شخص من غزة الالتحاق بدورات عسكرية في الضفة
ويشير إلى أن اولاد المسؤولين فقط هم المسموح لهم بالتعيين في الوظائف العليا سواء كان في السفارات أو القضاء والنيابة او المؤسسات التي يتم ابتداعها تحت مسمى وزير، حيث تطوب وظائف خاصة باسمهم، وهو ما يستدعي تدخل مكافحة الفساد للنظر في عملية التعيينات التي تجري بعيدا عن القوانين.
المحامي صلاح عبد العاطي مدير مركز مسارات في غزة يقول إن عملية التعيينات غير العلنية في غزة ضمن السلطة الفلسطينية تخضع "للواسطة والمحسوبية، والمحاباة والتمييز الواضح".
وطالب عبد العاطي عبر "الرسالة" الالتزام بالقانون وفتح الوظيفة العمومية للتنافس والمساواة، في ظل التعيينات غير القانونية"، مشيرا إلى أنّ ما يحدث من حجب لعملية التوظيف في غزة ومن ثم قطع رواتب الموظفين هو انهيار تام لسيادة القانون، و"هناك كارثة أعمق تتمثل في العقوبات الجماعية المفروضة على غزة".
ديوان الموظفين
في غضون ذلك، رفض رئيس ديوان الموظفين في رام الله موسى ابو زيد التعليق على الموضوع واغلق الهاتف في وجه معد التحقيق، قبل أن يعود مدير العلاقات العامة في الديوان عماد الشوربجي بالتواصل مع الصحيفة، حيث نفى بدوره وجود أي تعيينات تمت في "المحافظات الجنوبية" سواء كانت إدارية او إشرافية؛ "ولم يتم اجراء أي تعيينات في الوظيفة العمومية منذ تاريخ الانقسام".
وقال الشوربجي لـ"الرسالة" إنّ أي مواطن في الأراضي الفلسطينية يمكنه الالتحاق في كلية الاستقلال العسكرية بأريحا، "حسب المواصفات الجسمانية، ويمكن لأي شخص تنطبق عليه المواصفات ان يقدم طلب الالتحاق عبر الانترنت، لكن الاشكالية تكمن فقط في امكانية اجتياز الملتحقين حاجز ايرز!".
وأضاف: "المشكلة في آلية الخروج من حاجز ايرز فقط، لكن لم ولن يتم تعيين أي موظف في المحافظات الجنوبية، لاحتياج الوظيفة لإجراءات ادارية من قبيل الكمسيون الطبي والفحوصات ولجان المقابلات وهي غير موجودة في غزة، لكن لو أن موظفًا غادر القطاع واقام في الضفة وتقدم لأي وظيفة، فلا مانع من التعيين".
وتابع: "أي شخص موجود في رام الله يمكنه أن يتقدم بطلب للوظيفة وان انطبقت شروطها عليه فيؤخذ طلبه، ولولا الانقسام في غزة لكانت التعيينات متواصلة".
وحول شبهة فساد التعيينات في مركز التخطيط، أوضح الشوربجي أن المركز يتبع لمنظمة التحرير، مشيرا إلى أن أي تعيينات تجري عبر ديوان الموظفين العام وضمن قانون الخدمة المدنية، متابعا: "هذه المراكز في الأساس لا يتم التعيين عليها بل في مؤسسات السلطة والوزارات والهيئات التابعة لها، وبقية المراكز الأخرى لا يتم التعيين عليها بل ضمن الحاجة في إطار الوزارة".
وأكدّ أن "الديوان لا يجري أي تعيينات الا ضمن معايير وضوابط ووصف وظيفي، ومن جرى تعيينهم هم من المقيمين في الضفة ممن انطبقت الشروط والمواصفات عليهم".
يشار إلى أن نجلي الشرافي والهباش حصلا على نتائج متدنية في التوجيهي والجامعة، ومع ذلك جرى تعيينهم فورا وكلاء في النيابة العامة، دون أن يوضح لنا المتحدث باسم الديوان ما هي الشروط والمواصفات التي انطبقت عليهم!
وهنا يقول الشوربجي: "في الضفة لا يتم تعيين أي موظف مهما كانت قدراته الا على اساس قانون الخدمة المدنية، وهو الناظم بين الموظف والجهة المشغلة، ولا يستطيع أحد ان يتجاوزه"
وفيما يتعلق بعقود هيئة الاذاعة والتلفزيون، فرد بالقول:" مسابقة العقود لا تعتبر تعيينات نهائية ورسمية؛ لأن التعيين يخضع لمعايير وضوابط قانون الخدمة المدنية، ولم أسمع انه جرت تعيينات بأي وزارة في المحافظات الجنوبية".
وتبقى التعيينات ملفا أسودا تحيط به تجاوزات خطيرة للقانون ما يفتح الباب واسعا امام الحديث عن شبهات فساد، وقد باتت السلطة مرتبطة بشكل وثيق بالفساد الذي يحيط بها من كل جانب ما يطرح تساؤلا حول الجهة التي من المفترض ان تحاسب الفاسدين وتطبق القانون.