قائد الطوفان قائد الطوفان

مكتوب: الفلسطينيات في المستوطنات ضحايا جشع السماسرة وغياب الحكومة

مستوطنات الضفة
مستوطنات الضفة

الرسالة-محمود فودة

عاملة بالمستوطنات: أكثر من مرة تعرضت للتحرش من مديري بالفندقلا تزال السيدة الفلسطينية نهاد عواد 47 عاماً طريحة الفراش منذ 40 شهراً إثر سقوطها عن سلم أثناء قطفها البلح بمستوطنة إسرائيلية في منطقة الأغوار، متجرعة آلام الكسور التي مستها ومرارة عدم تلقيها أي تعويض مالي من (الإسرائيلي) صاحب المزرعة، وتجاهل السمسار الفلسطيني الذي كان وسيطاً لعملها الذي اضطرت إليه.

وفي حديثها لمعد التحقيق، تؤكد السيدة عواد التي تعيل ستة من الأبناء أنها اضطرت للعمل في المستوطنة لعدم توافر فرصة عمل في أي شركة فلسطينية لعدم نيلها على شهادة علمية، مضيفةً أن السمسار الفلسطيني الذي كان وسيطاً في عملها تجاهل الاتصالات الواردة من أهلها بعد إصابتها، فيما لم تستطع مقاضاة المشغل الإسرائيلي على تركها دون علاج لعدم امتلاكها تصريحا بالعمل في المستوطنة مما يعني أنها دخلت بشكل غير قانوني، وعليه لا تستطيع فعل شيء ضد المشغل.

ورغم حالة الرفض الوطني والشعبي والحكومي للعمل في المستوطنات، وعلى وجه الخصوص للنساء، أرتأت "الرسالة" الحديث عن معاناة الفلسطينيات العاملات في المستوطنات، بعد أن وقعن ضحية للواقع الفلسطيني المتجاهل لاحتياجات عائلاتهن، وكذلك ضحية للمشغل الإسرائيلي الذي يستغل حاجتهن، وتقصير الجهات الحكومية الفلسطينية في متابعة شكواهن.

ووفقاً لاتحاد نقابات عمال فلسطين فإن ما لا يقل عن 5000 فلسطينية تعمل في مستوطنات الضفة، في مجالات متنوعة منها الخدمة في منازل المستوطنين، والزراعة في مناطق الأغوار، وبعض الصناعات الغذائية في المدينة الصناعية "بركان" قرب مدينة سلفيت، فيما يفتقدن لجميع أنواع الحقوق الممنوحة للعمال وفقاً لقانون العمل (الإسرائيلي).

ومن أهم الانتهاكات التي تتعرض لها الفلسطينيات العاملات في المستوطنات، ضياع حقوقهن كعاملات لعدم التعامل معهن وفق قانون العمل الإسرائيلي أو الفلسطيني، والتعرض لمضايقات ومحاولات التحرش الجنسي اللفظي والجسدي بشكل واسع، ومنعهن من حقوقهن المالية والإدارية وبدل نهاية خدمة، وإصابات العمل.

استغلال العمالة

وفي التفاصيل، قال شاهر سعد أمين عام الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين: "إن العمال في المستوطنات بشكل عام يتعرضون لاستغلال واضح من قبل السماسرة الفلسطينيين والمشغلين الإسرائيليين، سواء فيما يتعلق بالمبالغ التي يتقاضونها أو حقوق العمل في حال وقوع إصابات، أو الاجازات وحقوق العمال بعد إنهاء العمل".

وعن دور الاتحاد في تحصيل حقوق العاملين والعاملات في المستوطنات، أضاف سعد في اتصال هاتفي مع "الرسالة" من رام الله، أن الاتحاد لا يستطيع المطالبة بحقوقهم نظراً لعملهم في مستوطنات تعتبر مناطق عسكرية يحظر على محامي الاتحاد الدخول إليها، ويتطلب ذلك التعاون مع المحامين الإسرائيليين، وبذلك يضيع الحق الفلسطيني لعدم وجود طرف نزيه ينصف العامل.

 

اتحاد النقابات: تعرض العاملات للتحرش الجنسي في المستوطنات ظاهرة واضحة

 

 

وأشار إلى أن المشغلين الإسرائيليين يتجهون إلى خدع للهروب من حقوق العمال الفلسطينيين، من خلال إعلانهم عن إفلاس المصنع وبالتي تسقط الحقوق المستحقة للعمال، مشيرا إلى أن ذلك وقع أكثر من مرة في مصانع مستوطنة "بركان" قرب سلفيت، حيث أكبر منطقة صناعية ويعمل فيها 4000 فلسطيني من أصل 7500 عامل في المنطقة، ويعملون في المواد الغذائية والنسيج وغيرها.

وبيّن سعد أن الكنيست الإسرائيلي أقر التعامل بقانون العمل الإسرائيلي في المستوطنات لكن المستوطنين يهربون من ذلك بالتعامل وفقاً لقانون العمل الأردني في الضفة على أساس أنهم لاجئون في مناطق عام 1967، مما يوقع العامل الفلسطيني بين المطرقة والسنديان.

وذكر أن العدد الإجمالي للعاملين في المستوطنات يبلغ 36 - 38 ألفا في المستوطنات فقط، ويبلغ عدد النساء العاملات أكثر من 5000 عاملة، منهن 2500 إلى 3000 عاملة في مجال الخدمات بالمنازل والمدارس والفنادق، و2000 إلى 2200 في الزراعة خصوصا مناطق الأغوار، مشيرا إلى أن الأعداد تزداد في المواسم.

وأوضح أنه تم تقديم شكاوى للجهات المختصة في بعثة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة العمل الدولية، لاسيما حول تعرض العاملات لتحرش جنسي، مؤكدا أن ثقافة الشعب الفلسطيني المحافظة تحول دون إكمال القضايا والحديث بشكل واضح وصريح عما يحصل من مضايقات وانتهاكات في العمل بالمستوطنات.

وأشار أمين عام الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين إلى أن عدم وجود حدود واضحة وضبط أمني للحركة في الضفة يحول دون معرفة العاملين في المستوطنات وطبيعة العمل، ورصد الانتهاكات التي يتعرضون لها خلال العمل، مما يضيع حق العمال بشكل كامل.

وزارة العمل ترد

ولم تكن حالة السيدة فدوى أبو إسماعيل أفضل حالاً من سابقتها، إذ فقدت فرصة العمل في إحدى شركات مستوطنة "بركان" قرب سلفيت، بعد أن أعلن صاحب الشركة الإفلاس بغية الهروب من دفع المستحقات المالية للعمال الفلسطينيين.

وقالت الأربعينية أم إسماعيل لـ"الرسالة": "إن مصيبتها مضاعفة بأنها فقدت فرصة العمل بإغلاق رجل الأعمال الإسرائيلي للمصنع الذي تعمل به؛ بحجة الإفلاس، وأنها لم تتلقَ أي مكافآت نهاية خدمة من المشغل الإسرائيلي، أو السمسار الفلسطيني الذي أحضرها للعمل في المصنع منذ ثلاث سنوات مضت، مما أجلسها في المنزل في انتظار الحصول على فرصة عمل جديدة".

وفي الرد الحكومي على القضية، تواصل معد التحقيق مع وكيل وزارة العمل بحكومة رام الله سامر سلامة الذي أكد أن عدد العمال الفلسطينيين في المستوطنات يقدر ما بين 30 الفا الى 35 ألفا، مبيناً أن المفترض أن تكون حقوق العمال الفلسطينيين في المستوطنات وفقاً لما صدر من قرار لمحكمة العدل العليا بتاريخ 10/10/2007 القاضي بتطبيق القانون الاسرائيلي على العمال الفلسطينيين أسوة بالعمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، حيث كان يطبق قبل ذلك قانون العمل الأردني الساري المفعول منذ 7/6/1967.

 

وكيل وزارة العمل: نتواصل مع مؤسسات حقوقية إسرائيلية للحصول على حقوق العاملات

 

 

وفي الرد على أسئلة "الرسالة" التي أرسلت بواسطة البريد الالكتروني، لم يخفِ وكيل الوزارة تعرض العاملات الفلسطينيات الى انتهاكات أهمها عدم دفع الحد الأدنى للأجور لهن وهذا يتركز في منطقة الأغوار وأريحا.

وعن دور الوزارة في متابعة حقوق العاملات، قال إن وزارة العمل تقوم بعمليات التشبيك مع المؤسسات الحقوقية الإسرائيلية مثل جمعية عنوان العامل وغيرها من أجل تحصيل حقوق العاملات الفلسطينيات في سوق العمل الإسرائيلي، إلا أنه في الوقت نفسه قلل من أهمية القضية بالنظر إلى أن عددهن قليل، رغم تأكيد اتحاد نقابات عمال فلسطين أن العدد لا يقل عن 5000 عاملة، فيما يبدو أن الوزارة لا تعلم بالرقم المذكور.

وأضاف أن القروض التي تمنحها الوزارة للمواطنين المحتاجين لفتح مصدر دخل تمثل نسبة فائدة تساوي صفرا وفترة سداد تصل لثلاث سنوات وفترة إعفاء 6 شهور من تاريخ بدء عمل المشروع.

السمسار يتهرب

استغل معد التحقيق، منشورا عثر عليه أثناء البحث في مجموعات موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" المعنية بأخبار الطرق والمستوطنات، لسمسار يبحث عن فتيات للعمل في مجال التنظيف في مدارس إحدى المستوطنات، ليتواصل معه ويطرح الاتهامات التي توجهها العاملات والجهات المعنية بالقضية للسماسرة بأكل حقوق العمال، وتركهم فريسة للمشغل الإسرائيلي، مقابل زيادة الربح لصالح السمسار.

في البداية رفض السمسار "أ.م" من سكان مدينة القدس المحتلة الحديث، إلى أن تم إقناعه بذلك مقابل عدم نشر اسمه أو معلومات قد توصل إليه، كاشفا في حديثه لـ"الرسالة" أن عدد السماسرة المعتمدين لدى المستوطنين يتجاوز الـ 200 سمسار موزعين على مدن الضفة والقدس، ومع كثرة عددهم في الآونة الأخيرة، قلّت نسبة الأرباح التي يحصلون عليها من وراء تشغيل العمال الفلسطينيين، إذ باتوا يتعرضون للابتزاز من المشغل الإسرائيلي أن بإمكانه التواصل مع سمسار آخر.

ويشير إلى أن ازدياد ربح السمسار يعتمد على أمرين هما أن يكون العامل محتاجا للعمل بشكل مُلح، ومضطر للعمل بأي مبلغ مالي، وهذا يتطلب بحثا أوسع عن العمل في القرى المحتاجة، والآخر يعتمد على الوصول لاتفاق مع المشغل الإسرائيلي يقضي بالحصول على مكافئات مالية ذات قيمة مقابل العمل الذي سيقدمه الفلسطينيون.

وعن الاتجاه للاعتماد على الفلسطينيات للعمل في المستوطنات، أوضح السمسار أن للعاملة الفلسطينية عدة ميزات تدفع السمسار للبحث عنهن بدلا من الرجال، أولها الرغبة في العمل لتحصيل المال مهما كان نوعه وتوقيته، فلا يرفضن أي نوع عمل زراعي أو خدماتي على عكس الرجال الذين يرفضون العمل لدى المستوطنين في بعض أشكال الأعمال التي يرونها انتقاصا لكرامتهم، وكذلك عدم معرفتهن بحقوق العمال والقوانين، إضافة إلى قبولهن بأي مبلغ يقدم لهن وليس كالرجال يشترطون مبالغ أعلى قبل بدء العمل.

 

سمسار: نحن لا نتحمل مسؤولية تعرض العاملات للتحرش الجنسي من المستوطنين

 

 

ولم يخفِ السمسار أنه يتحرج من تشغيل عاملات من أبناء منطقته، بل يتجه لمناطق أخرى بعيدة عن منطقة سكناه، حتى لا يتعرض لأي مشاكل من العائلات في حال وقوع أي حوادث إصابات أو تحرش جنسي بحق العاملات من قبل المستوطنين، مؤكدا في الوقت نفسه أن السمسار لا علاقة له بتعرض العاملات للتحرش ولا يتدخل للدفاع عن العاملة، بل يبقى الأمر وردة الفعل بين العاملة والمشغل الإسرائيلي؛ حرصاً على مصلحته المالية.

تقصير حكومي

وفي المتابعة الميدانية لواقع عمل الفلسطينيات في مستوطنات الضفة، تواصل معد التحقيق مع مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية في القدس، ليتحدث مع الباحث إياد الرياحي الذي أكد بدوره التقصير الحكومي الواضح في معالجة مشكلة العمالة الفلسطينية في المستوطنات، خصوصا النساء؛ لما يتعرضن له من انتهاكات جسيمة ومتنوعة منذ سنوات طويلة.

وأوضح الرياحي في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أن المشغلين الإسرائيليين يميلون لتشغيل النساء بدلا من الرجال لسهولة السيطرة عليهن، والقدرة على إجبارهن على التكيف مع أي نوع عمل يطلب منهن، مشيرا إلى أن المرصد سجل انتهاكات جنسية متكررة بحق النساء الفلسطينيات العاملات في المستوطنات.

وفي الوضع القانوني للعاملات الفلسطينيات، قال الرياحي إن المشغل الإسرائيلي يتجه دائما للتعاقد مع السمسار الفلسطيني بصيغة بينهما، تضيع حق العامل الفلسطيني، حيث لا يتحمل المشغل أي تبعات قانونية أو حقوق لصالح العمال، وينهي ذلك كله باتفاق سري بينه وبين السمسار الفلسطيني، يعود بالنفع على الأخير، بينما يكون على حساب العمال.

وأشار إلى أن الحد الأدنى للأجور في (إسرائيل) يبلغ 5300 شيكل تقريباً، فيما مجموع ما تتلقاه العاملة في المستوطنات على مدار الشهر يقارب 1600 شيكل، فيما يأخذ السمسار الفلسطيني نفس المبلغ مقابل وساطته للعمل بين العامل والمشغل الإسرائيلي، فيما يتهرب المشغل من قانون العمل الإسرائيلي بالصيغة التي توصل إليها مع السمسار الفلسطيني، دون أن يظهر العمال في أي مواجهة قانونية أو إدارية، مؤكدا عدم وجود أي قضايا امام المحاكم الإسرائيلية لعدم توافر أوراق تثبت حق العمال.

ووفقا لما حصلت عليه "الرسالة" من إفادات لعمال فلسطينيين في المستوطنات، فإن السمسار يحصل على ما لا يقل عن 2000 شيكل شهريا عن كل عامل أو عاملة مقابل تشغيله لدى صاحب العمل (الإسرائيلي)، مما يشير إلى أن السمسار يتلقى مبالغ مجزية، مما يدفعه للتغاضي عن أي انتهاكات يتعرض لها العامل الفلسطيني من قبل المشغل (الإسرائيلي).

وأوضح أن تقصير الحكومة في الاهتمام بقضايا العمال يعود إلى تجريمها العمل في المستوطنات بالضفة، واعتباره نشاطا تجاريا غير شرعي، فلا تترافع عنهم في المحاكم، أو تطالب بحقوقهم بصفتها حكومتهم، في المقابل فإنها لا توفر أي فرص عمل للمواطنين المحتاجين للعمل في مدن الضفة، في ظل ازدياد نسب البطالة، وكذلك فإن الحكومة وعدت بتوفير 30 - 40 ألف فرصة عمل للعاملين في المستوطنات إلا أن ذلك بقي حبرا على ورق دون تنفيذ.

ووفقا لإحصائية حديثة أعدها المركز الإحصائي الفلسطيني فإن معدل البطالة وصل إلى 26.3% في قطاع غزة والضفة المحتلة، وهي تتركز في فئة الشباب الخريجين، حيث نصفهم عاطلون عن العمل، مما يستدعي تحركا استراتيجيا من الحكومة لإنهاء أزمة البطالة دون اللجوء للعمل في المستوطنات.

وأكد الباحث الرياحي أن مؤسسات تمكين المرأة ذاتها لا تجد أثرا لبرامج التمكين الاقتصادي للمرأة على أرض الواقع، مضيفا أنها لا توفر فرص عمل إلا لعدد محدود للغاية، مما يزيد أعداد الفلسطينيات المضطرات للعمل في المستوطنات في ظل تردي الأوضاع المعيشية، وعدم وجود معيل للأسرة.

 

مرصد حقوقي: انتهاكات كبيرة تتعرض لها العاملات من المشغلين والسماسرة

 

 

وكشف أن صندوق التشغيل الفلسطيني لم يشغل أي شخص من العاملين في المستوطنات بعد تجريم العمل فيها، وكذلك لا توجد خطة مكافحة العمالة في المستوطنات، مشيرا إلى أن الحكومة أنشأت صندوق الكرامة الفلسطيني لإيجاد فرص عمل للمواطنين الذين يعملون في المستوطنات في حال تركهم لها التزاماً بقرار تجريم العمل في المستوطنات، إلا أن قيمة المساهمة في الصندوق لم تتجاوز 40 ألف دولار وكانت من شركتين خاصتين، وبالتالي لم تقدم أي فرصة عمل لأي مواطن لجأ للعمل في المستوطنات.

وفي ختام تحقيقها، ترى "الرسالة" انه من الضروري بذل كل الجهود الممكنة للحيلولة دون اضطرار الفلسطينيات للعمل في المستوطنات، والحرص على إشراكهن في الوظائف الحكومية أو القطاع الخاص الفلسطيني، وذلك يحتاج إلى اهتمام حكومي عالي المستوى بالقضية لما لها من تأثير سلبي على المجتمع الفلسطيني، وآثار سلبية على الفلسطينية العاملة، وعلى عائلتها على وجه الخصوص، لاسيما في ظل الرفض الوطني والشعبي لهذه الظاهرة.

البث المباشر