نشر مركز دراسات الأمن القومي في إسرائيل دراسة حول الفشل الإسرائيلي الاستراتيجي في معركته على الرواية، في مواجهة الرواية الفلسطينية التي أخذت بعدًا جديدًا في مسيرات العودة، رغم الإنجاز التكتيكي بمنع المتظاهرين من اجتياز السلك الفاصل. الدراسة - التي ترجمها مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية - تقدّم العديد من التوصيات للمستويات ذات الصلة في الجانب الإسرائيلي، للتغلب على هذا الفشل.
تعترف الدراسة بأن الفصائل في غزة أطّرت أحداث "مسيرة العودة" كـ "مسيرة شعبية غير عنيفة"، وحاولت بالتالي أن تحوّل المواجهة مع إسرائيل من الجبهة العسكرية إلى الجبهة المدنية، مع التأكيد على الحق في الاحتجاج الشعبي، بينما إسرائيل في المقابل عرضت أحداث المسيرة على أنها "إرهاب" يُراد منه المساس بسيادتها، وأنها مسيرة تستخدم النساء والأطفال كـ "درع بشري".
وعن الهدف من مسيرات العودة تقول الدراسة بأن الفلسطينيين في قطاع غزة يحاولون أن يعيدوا وضعهم الصعب إلى جدول الأعمال الدولي، "وصول آلاف الأسر إلى الحدود سيحرج الاحتلال، وسيجذب تعاطف الإعلام لصالح قضيتنا". في المقابل، إسرائيل اعتبرت الجهة القوية التي تفضّل استخدام القوة مع المدنيين.
وعن مأزق الجيش الاسرائيلي في التعامل مع المتظاهرين، يرى كُتّاب الدراسة ان الأسلوب الذي انتهجته الفصائل (وهو وضع مواطني غزة، وعلى رأسهم النساء والأطفال، في المقدمة أمام جنود الجيش الإسرائيلي) يؤكد عدم التكافؤ، ولذا فإن أي استخدام للقوة سيُفسر مسبقًا بأنه "مبالغ فيه"، كذلك يسلط الضوء على رواية البطولة الفلسطينية أيضًا.
كما ان الفصائل قد حوّلت المواجهة من المستوى العسكري - الذي فيه موازين القوى تميل بشكل واضح للجانب الإسرائيلي - إلى المستوى المدني التوعوي.
التحول الحقيقي في المعركة هي ان الفلسطينيين بدأوا يؤمنون أكثر بالقوة الناعمة التي يمتلكونها، فهذه المظاهرات غير العنيفة ستحيّد إلى حد كبير ترسانة السلاح الضخمة التي تمتلكها دولة الاحتلال. خيارات استخدام القوة يُمكن أن تكون مجدية في مواجهة خمسة آلاف متظاهر، لكن تأثيرها يضعف للغاية أمام 200 ألف متظاهر. حال الإدراك أن مسيرات العودة تمتلك شفافية أخلاقية تعزز فرص نجاحها، كونها تدعو إلى عودة الفلسطينيين إلى منازلهم بطريقة غير عنيفة.
ملخص المعركة هي أن صورة واحدة تساوي ألف كلمة لتحقيق تأثير توعوي بصورة واحدة جيدة، فالأحداث وفرت صورة مقسمة على شاشات الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. في أحد جوانب الصورة الجماهير في قطاع غزة أمام إطلاق نار جنود الجيش الإسرائيلي، وفي الجانب الآخر احتفالية نقل السفارة الأمريكية في القدس بمشاركة مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين.
النجاح الذي حققته الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة الأمنية هو إقناع المقتنع، فقد تمكنت من إقناع الرأي العام في الداخل بأن الجيش الإسرائيلي قام بواجبه وبطريقة شرعية، لذلك فلا يتطلب الأمر الكثير من الجهد، إذ ان غالبية الشعب الإسرائيلي فعلًا يدعم في الأصل كبح المظاهرات وعمليات القوى الأمنية، وأقوال المسؤول في حماس بأن الغالبية العظمى من القتلى (الشهداء) هم من رجال التنظيم اعتبرت دليلًا على ان الحديث لا يدور عن نشاطات مدنية بريئة يُحركها الإحباط والحصار فقط.
في المقابل، فشلت إسرائيل في إيصال هذه الرسالة الواضحة إلى الشعب الفلسطيني وإلى المجتمع الدولي، وسيما عندما يقف الحصار المتواصل والوضع الإنساني الصعب في خلفية الصورة، صور القناصة الإسرائيليين في مواجهة المتظاهرين مثلًا وفي مواجهة سلاح الطائرات الورقية الحارقة؛ عززت الصورة التي أراد الفلسطينيون تقديمها.
وفيما يتعلق بشبكات التواصل الاجتماعي التي تعتبر ساحة مركزية للحرب على الوعي، استمرار العملية والمواصلة والحجم هي العناصر الأكثر أهمية في تصميم المفاهيم. من هنا تقترح الدراسة على الحكومة الإسرائيلية أن تواجه المستوى الفلسطيني من خلال نقل سلسلة متواصلة من الرسائل المدوية بانتظام في الإعلام الاجتماعي من أجل توسيع الشروخ القائمة بين حماس وسكان قطاع غزة، والتأكيد على القضايا التي تسمع بخصوصها أصوات تجاه التنظيم من بينها مشروع حفر الأنفاق الرائد وتكلفته من حيث الوضع الإنساني المتدهور في المنطقة؛ صدى هذه الرسائل "التخريبية" من شأنه أن يزيد في أوساط المنتقدين لتصرفات حماس الشعور بالأمن لدى إبداء رأيهم.
وأما على صعيد الرأي العام الدولي، فتقترح الدراسة خوض معركة مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال إغراقها بالرسائل الموالية لإسرائيل وتقديم حقائق وتحاليل ذات صلة؛ وهذا يجب القيام به قبل الأحداث وخلالها. هذه الحرب تتطلب نسج عدد كبير من الأشخاص لمحاربة عناصر معينة على الشبكة ممّن يقذفون دولة إسرائيل وعملياتها، وكذلك يجب المساس بشرعية الخصم، يجب تعزيز قدرة رفع تنظيمات مثل المبادرة المدنية للمتطوعين العاملين من أجل إسرائيل على شبكة الانترنت (ACT.IL) التي تسمح بنشر الرسائل. التركيز على ان الفلسطينيين ينشرون على شبكات التواصل الاجتماعي، وبشكل مكثف، لقاءات وصور وأفلامًا مفبركة في بعضها.
كما تقدم توصيات للجيش الاسرائيلي العامل على السلك الفاصل، فالتقليل من أعداد المصابين الكبيرة في أوساط المتظاهرين الفلسطينيين من شأنه أن يحقق مفعولًا رادعًا من جهة، ومن جهة أخرى من الممكن أن يكون له مفعولًا تخميريًا على وجه الخصوص. بالنسبة للمجتمع الدولي؛ سينظر إلى إسرائيل نظرة سلبية إثر عدد المصابين، سواء كانوا مواطنين أو أعضاء في حماس.
الحرب بين إسرائيل والمقاومة، وفي الواقع بين إسرائيل وقطاع غزة، كما برزت في الأشهر الأخيرة في "مسيرة العودة" هي اختبار سقطت فيه استراتيجية الوعي الإسرائيلية، حيث يدور الحديث عن سلسلة من الأحداث المتطورة، وعن منافسة في الاستفادة والتغيرات لدى الطرفين. ولا يمكن لاسرائيل الانتصار إلا أن تطور نظرية وعيها أمام الجهات الثلاثة المستهدفة (الفلسطينية والدولية والداخلية)، وأن تحدث التنسيق بين الجهات العسكرية والمدنية والعلنية والسرية العاملين في المعركة.
مركز اطلس للدراسات