وضعنا قضيتنا أعوما كثيرة بين أيدي الأنظمة العربية فكانت النكبة والنكسة وتسليم ما تبقى من فلسطين وزيادة عليها سيناء والجولان، ومنينا بالهزيمة وانطبع في الأذهان بأن هذا الاحتلال لا يمكن هزيمته وعلينا أن نسلم بالأمر الواقع والاعتراف به كيانا قائما بفعل القوة الغاشمة، والضعف الذي نحن عليه والنظام العربي.
هذا الاحتلال ليس قويا بذاته؛ ولكن قوته نابعة من ضعفنا وضعف النظام العربي وفقدان إرادته، الأمر الذي أوصل الشعوب إلى قناعة بأن لا طاقة لهم بمواجهة الاحتلال وعليهم بالتسليم لهذا الواقع، الأمر الذي نتج عنه الوهن والهوان والتسليم والصمت فيما بعد على خيانات بعض الأنظمة في عقد اتفاقيات مع الاحتلال والاعتراف به وعلى حقه في البقاء على الارض الفلسطينية وعلى حساب حقوق الشعب الفلسطيني، ولكن ما يجري على أرض فلسطين أكد بطلان هذا التصور وأن هذا العدو يمكن هزيمته وهذا يحتاج إلى اعادة النظر في ما حاول البعض ترسيخه والواقع يقول عكسه.
اليوم وبعد النكبة والنكسة لازال الهوان العربي يسير بخطى متسارعة التحق بها بعض الفلسطينيين عبر اتفاق اوسلو الذي قسم الشعب الفلسطيني وقدم اعترافا بالكيان وحقه في الوجود على 78% من مساحة فلسطين التاريخية ومن لم يعترف بالكيان علنا من العرب اعترف به سرا وأقام معه علاقات وتعاونا أمنيا واستخباراتيا حتى وصلنا إلى ما يسمى بصفقة القرن التي اقتع بها الخنع من العرب وأصبحوا يروجون لها ويضغطون على بعض الرافضين من العرب للقبول بها تارة بالإغراءات المالية وتارة بالتهديد بوقف الدعم لها فإما القبول بصفقة القرن أو واجهوا مصيركم مع شعوبكم والأردن مثالا، والذي يرفض القبول بصفقة القرن ليس حبا في فلسطين وإلا ما وقع اتفاق وادي عربة؛ ولكن كون هذه الصفقة جزء منها قائم على مبدأ التوطين الأمر الذي يشكل تهديدا وجوديا للنظام الملكي.
لم يبق من العرب الا القليل والقليل جدا من يؤمن أن فلسطين للشعب الفلسطيني، وأن هذا الاحتلال يجب أن ينتهي، وتعود الأرض لأصحابها الشرعيين، وبقي مع هذا القليل غالبية الشعب الفلسطيني والتي ترفض التسليم بهذا الكيان، وتعمل على عدم استقراره ومواجهته رغم اختلال موازين القوى والانحياز الدولي وغالبية العرب ودعمه وعدم اعترافه بالحقوق الفلسطينية ويريد إنهاء الصراع على حساب تلك الحقوق.
الفلسطينيون المؤمنون بأن هذا الكيان يمكن هزيمته ويمكن إنهاء وجوده لم يستسلموا للردى العربي والفلسطيني ويعملون على مواجهة الاحتلال بما لديهم من عوامل القوة على أمل أن تتغير المعادلة الفلسطينية أولا والعربية ثانيا، وأن تتمكن هذه الشعوب العربية من أخذ زمام المبادرة فهي لازالت تؤمن بأن فلسطين هي ملك خالص للشعب الفلسطيني ويجب أن تعود والعود لن يكون إلا بالعمل على تغيير هذه الانظمة والثورة عليها لأنها هي المشكلة الكبرى في إعادة الحقوق الفلسطينية إلى أهلها؛ ولكن هذا يحتاج منا أن نكون كشعب فلسطيني في المقدمة.
الفلسطيني أدرك المعادلة القائمة، وأدرك أن انتظار التغيير العربي يحتاج إلى وقت والسكون وعدم التحرك واستمرار المواجهة رغم الاثمان الباهظة التي يدفعها من حياته إلا أنها الوسيلة الوحيدة على الأقل لإبقاء القضية الفلسطينية حية وقّادة، وبالفعل هو يمارس على الأرض ما يبقي القضية حية وتلقى اهتماما يحول دون تصفيتها، الفلسطيني اليوم الذي يخرج بمسيرات العودة السلمية على السلك الزائل بهذه الآلاف للتأكيد على حقه في استرداد أرضه المغتصبة هو يتصدى لكل مشاريع التصفية والاجهاز على القضية والشعب الأمر الذي لم يدع مجالا لتصفية القضية ويعمل على وقف كل المشاريع الهادفة للنيل من حقوق الشعب الفلسطيني، اليوم وبعد سبعين عاما على النكبة وواحد وخمسين أخرى من النكسة يخرج الشعب الفلسطيني ليقول للجميع نحن باقون، جذورنا لا تقتلع، وأرضنا ستعود، وهذا الكيان لن يستمر، وهذا الواقع العربي لن يطول وإن غدا لناظره قريب.