قائمة الموقع

مكتوب: الوتد الأول في خيام العودة.. رحل شهيدًا ولم ينكسر

2018-06-08T14:24:19+03:00
صورة أرشيفية
غزة-ياسمين عنبر

الشهداء لا يغادرون برصاصةٍ ولا بجرحٍ نازف، خاصةً إن تركوا خلفهم علامةً فارقة، يغادر فقط من يقتله الصمت عن حقه!

في غزة وتحديداً في مخيمات العودة، تكاد أوتاد الخيام المناضلة تنطق لتشهد بأعماله، وبأنه

 مر من هنا ذات يوم، هو من نصب وتدي ها هنا، هذه الحافة هو من عدل قائمتها، والحجر قرب إحدى أماكن التثبيت سينطق لو استطاع "نعم" لقد نقلنا إلى هنا أملاً بأن يرى وطنه.

"صدقي أبو عطيوي" ابن "بئر السبع".. ذاك الشهيد الذي سمعنا باسمه حين أدرج في قائمة شهداء "جمعة الكوشوك"، لم نكن نعلم أنه هو من ثبت أوتاد الخيام على حدود البريج حدود قطاع غزة.

وصلنا بيت الشهيد، صورة كبيرة كانت قد ثبتت على أحد جدرانها، بجانبها صورة أخرى ملاصقة لها.

رحل في عامه الرابع والأربعين، هكذا أخبرنا ابنه الأكبر "طالب"، لكن زوجته بكت حين حدثتنا عن حياته البائسة التي عاشها وحيدًا بلا أب أو أم، حيث توفيا وهو لم يتعدَّ الثانية عشر من عمره.

أمام دموع زوجة الشهيد وهي تصف كيف كان يلاعب أطفاله وأطفال حارته، تدرك أن القائل "فاقد الشيء لا يعطيه" لم يصدق، بل تتيقن "فاقد الشيء يعطيه.. بل هو الذي يعرف جيدًا كيف يعطيه".

فصول الوجع التي كان يرويها "طالب" عن أبيه، كان مبتدأها أنه قبل أسبوع كان لـ"محمد" طفل الشهيد الأصغر حفل تخرج في الروضة، على منصة التخرج جلس "محمد" ينظر حوله كيف يشيح أصدقاؤه لآبائهم، فسكنت الحسرة قلب "العائلة"، لا سيما عند ختام الحفل وقت أن التقط الجميع صورة مع أبيه عداه.

بدهشة كبيرة تروي زوجة الشهيد تفاصيل اللحظات الأخيرة معها، حيث عاد من صلاة الجمعة يحكي لها قصة قالها الخطيب على المنبر خلاصتها: "حين ينتهي أجل الإنسان تقبض روحه ولو كان في بلد غير بلده".

ابنه الأكبر كان يهز بجذع الصبر كي يتساقط ألم الفقد في قلبه، يحكي أن الأمان كان وجود والده معه، كان صوته!

على كارو جاره ذهب "أبو عطيوي" إلى حدود البريج، في الجمعة الثانية من مسيرات العودة، بعد أن نصب الخيام قبل بدء التظاهرات بفترة كبيرة، وبعد وصوله بساعة وصل عائلته خبر استشهاده.

فبين الخيام كان يجلس بين المتظاهرين دون أن يحمل شيئًا إلا حلم العودة الذي كان يسكن قلبه، حيث بيت جده في بئر السبع، إلا أن جنديًا قنصه فارتقى شهيدًا، يقول ابنه: "رصدوه يوم نصب الخيام، حيث نصبت على الحدود كاميرات وأتى الجيش مرات كثيرة لمراقبة المكان".

بجانب صورته علقت صورة الشهيد "عادل أبو هويشل"، صديق عمره الذي رحل في العدوان الأخير على غزة، ليختم الابن حديثه: "والتقى الأحبة"!

شارع طويل في مخيم النصيرات، علقت فيه صور خمسة شهداء من شهداء العودة، كان طريقنا وقت العودة، حيث بدا حزينًا، يعمه الصمت.

رافقنا فيه طفل الشهيد "محمود" الذي أشار بيده إلى الملعب البلدي الذي كان يرتاده برفقة أبيه، لحضور المباراة، متنهدًا قال: "من يوم ما استشهد أبويا ما رحت عليه".

 كما عاش بين أطفاله، أقربائه، أبنائه، رحل "أبو عطيوي".. كان باسمًا في حياته وارتقى إلى السماء بابتسامة أبهرت جميع مودعيه.

فشهداء مسيرة العودة لا يغادرون مدارك الدنيا مباشرة، يتجولون قليلاً بقلوبهم على شواطئ يافا، ويصلون ركعتين في جامع الجزار، وربما يراقبون صيادي المنطقة بصمت، وربما هم أعظم من أن يبقوا في مدارك ما نعرفه نحن

اخبار ذات صلة
فِي حُبِّ الشَّهِيدْ
2018-04-21T06:25:08+03:00