شكك ساسة ومحللون وجهات حقوقية، بجدية قرار حكومة الحمد الله، في حل "اللجنة الأمنية العليا" بشكل فعلي، مشيرين إلى أن القرار ناقص ما لم يتم محاسبة القائمين على تجاوزاتها القانونية من اعتقال وتحقيق وتعريض الكثيرين لأبشع أساليب التعذيب في مقراتها.
وقرر رامي الحمد الله، حل اللجنة الأمنية العليا، "بعد أن أنهت المهام الموكلة إليها، في مجال القضاء على مظاهر الفلتان الأمني، وإلقاء القبض على المطلوبين وتقديمهم للعدالة"، على حد قول بيان صادر عن الحكومة.
وكان رئيس السلطة محمود عباس، قد أصدر قبل سنوات قراراً بتشكيل اللجنة الأمنية العليا، المكونة من كافة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في رام الله، ونفذت عمليات اعتقال بحق معارضين فلسطينيين من حركة فتح، خاصة من المحسوبين على القيادي المفصول من الحركة محمد دحلان، وكذلك من الفصائل الفلسطينية الأخرى لا سيما حماس والجهاد الإسلامي.
محاسبة
وكانت المؤسسات الحقوقية والإنسانية دعت خلال السنوات الماضية إلى حل اللجنة الأمنية، واغلاق كافة مراكز التوقيف التابعة لها، والعمل على تطبيق الانظمة والقوانين المعمول بها، وذلك على ضوء تلقيها شكاوى حول انتهاكات ومخالفات تقع في داخل المراكز التابعة لها.
وذكرت المؤسسات في بيانات مختلفة لها، بأن هناك جرائم ترتكب لدى اللجنة الأمنية، خاصة بقضايا التعذيب واساءة المعاملة، ولديها سلوك متكرر يجب انهاؤه حتى لا تصبح متورطة بهذا الأمر.
ورغم ترحيب عصام عابدين المستشار القانوني لمؤسسة الحق، بالقرار واعتباره خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أنه شكك في تطبيقه على أرض الواقع، عاداً أن القرار يجب أن يستكمل بالمحاسبة على الانتهاكات التي ارتكبت بحق المواطنين وإنصافهم وإعادة الاعتبار لهم.
وأوضح عابدين لـ"الرسالة" أن اللجنة الأمنية للسلطة لم تكن تستند إلى أي أساس قانوني أو دستوري، ووجودها بحد ذاته كان مخالفاً للقانون الأساسي الفلسطيني، ولقانون الخدمة في قوي الأمن.
وأردف عابدين" أن اللجنة سيئة الصيت، ارتكبت العديد من الانتهاكات خاصة في سجن أريحا، تراوحت ما بين التعذيب وسوء المعاملة والاحتجاز التعسفي وعدم تنفيذ قرارات المحاكم، إضافة إلى أن وجودها يعد مساساً صارخاً باستقلال القضاء"، مفسراً أنها لم تكن تتقيد بضمانات المحاكمة العادلة، وعادةً ما كانت الاعتقالات تجري بعيداً عن النيابة العامة والقضاء من حيث التوقيف وتمديد التوقيف.
وذكر عابدين أن الحق ومؤسسات حقوقية أخرى، أرسلت بخصوص ما سبق، عدة رسائل سواء لرئيس الوزراء ووزير الداخلية رامي الحمد الله ولوزير العدل وغيره من المسئولين السياسيين للمطالبة بحل هذه اللجنة منذ تشكيلها.
وحول جدية حكومة الحمد الله في تنفيذ القرار، قال عابدين سنراقب ونتابع عبر باحثينا الميدانيين لكي يزودونا بالتقارير عما يحصل في الميدان"، وفي حال كان هناك أي إشكاليات لن نتردد في إعلانها!، على حد تعبيره.
صفحة سوداء
من جانبه فقد اعتبر النائب الفتحاوي جمال الطيراوي، قرار حكومة الحمد الله بحل اللجنة الأمنية "خطوة أولى لإغلاق صفحة سوداء عاشها الشعب الفلسطيني طوال عملها".
وقال في تصريحات صحفية " إن اللجنة مارست تجاوزات قانونية خلال الاعتقال والتحقيق وتعريض الكثيرين، خاصة من أبناء فتح، لأبشع أساليب التعذيب في مقراتها.
وأضاف: "قرار تشكيل اللجنة الأمنية العليا كان بمرسوم رئاسي، وهذا بحد ذاته غير قانوني، لأنه جاء دون نص قانوني"، متمنياً أن يكون هذا القرار "خطوة باتجاه المصالحة الداخلية الفلسطينية، لا سيما داخل حركة فتح بشكل خاص".
ورأى طلال أبو ظريفة عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية بأن خطوة حل اللجنة الأمنية العليا للسلطة "ضرورية ومهمة"، لكنه شدد على وجوب أن تستكمل الخطوة بخطوات أخرى استناداً لما جرى الاتفاق عليه، وهو التحلل من كل الالتزامات الأمنية مع الاحتلال.
وقال أبو ظريفة "علينا أن نشجع كل الخطوات التي تفتح الطريق لإمكانية تجاوز أي اشكاليات سابقة، ويستخدمها الأخير في تبييض صورته وهو أصلاً يقترف الجرائم بحق شعبنا".
ولم ينكر أبو ظريفة أن هناك الكثير من الثغرات في المسيرة الفلسطينية، ولكنه اعتبر أن المهم هو استخلاص الدروس والعبر، ونبذ كل أشكال التضييق والملاحقات والاعتقالات والمتابعات الأمنية، مضيفاً "نحن في مرحلة تحرر تقتضي منا أن نوجه كل تناقضاتنا مع الاحتلال.
مهام "قذرة"
وكمن سبقوه، شكك الكاتب والمحلل السياسي محمود العجرمي، في جدية حكومة الحمد الله في تطبيق قرارها بحل اللجنة الأمنية العليا، مشيراً إلى أن المهمة الرئيسية لسلطة فتح في رام الله تتمحور حول المهام الأمنية للدور الوظيفي في علاقتها مع الاحتلال.
وعدد العجرمي لـ"الرسالة" بعضاً من المهام التي وصفها بـ"القدزة" لهذه اللجنة، مؤكداً أنها عملت على ملاحقة المقاومة الفلسطينية في إطار النهج الذي بدأته أجهزتها منذ توقيع اتفاق "أوسلو".
وأوضح العجرمي أن "سلطة فتح" استخدمت هذه اللجنة الملحقة بها، في حسم الخلافات وبشكل دموي مع تيار دحلان في الضفة، ومع أعضاء في المجلس التشريعي، وكذلك في فض المظاهرات والاحتجاجات والإضرابات للنقابات ومن بينها الموظفين والمعلمين والمحامين وغيرها.
وذكر العجرمي أن "اللجة الأمنية العليا" سهلت لقوات الاحتلال مهمات كثيرة لحصار وتصفية المقاومين والمناضلين من شتى الفصائل بمن فيهم مناضلو فتح الذين لم يحتملوا أن يبقوا ممسكين بجمر التخابر مع الاحتلال، لافتاً إلى أن هذه الأجهزة سلمت للاحتلال من كانوا يلجأون للضفة هرباً من الملاحقة في الداخل المحتل.
وأشار إلى أن أجهزة تلك اللجنة الأمنية أعادت جنود وضباط ومستوطني الاحتلال الذين كانوا يتسللون لأداء مهام أمنية واستخبارية تحت دعوى أنهم تائهون في قرى ومخيمات ومدن الضفة الغربية، مشدداً على وجوب محاسبتها على ما اقترفت من جرائم كثيرة بحق الشعب الفلسطيني.
وختم العجرمي قائلاً " شعبنا لم يعد يُمرر عليه ما يجري في الضفة، بعد أن ألقمت المقاومة حجراً للعدو الذي يتطاول ويريد أن يفرض معادلة جديدة في غزة(..) شعبنا بدأ يعي طريقه تماماً، وكل الغشاوة تتبددت عن عينيه، ولن يغفر ولن ينسى ولن يرحم، وهو يخوض عملية فرز واستقطاب متسارعة لوضع هؤلاء في الموقع الذي يستحقون"، على حد تعبيره.