مكتوب: والدة الشهيد الفصيح: "مع مين رايح يمه، قالي مع الله "

صورة
صورة

غزة- رشا فرحات

مع إشراقة فجر السبت، ودعت جمعة القدس أربعة أقمار، كان يوسف أحدها، يوسف الذي لم نره في زيارتنا لمنزله، نجزم أنه كان كالقمر بهاء، فمن يحمل اسم يوسف له نصيبه من الحسن، ولكن يوسف الفصيح له نصيبه من الشجن والسيرة الطيبة، فقد نشأ في معسكر الشاطئ، يعرفه كل من صلى في المسجد الغربي، وتعرف رمال الشاطئ آثار أقدامه، فهناك كبر، وهناك جدد العهد كل عام مع غزة، بأن يبقى ثابتا صبورا أمام خيارين فقط، نصر أو شهادة، فكانت الشهادة.

جلسنا نحن طاقم الرسالة، نناجي الوجع على الرصيف المقابل للمسجد الغربي، ننتظر جنازة يوسف محمولا على الأكتاف قبل أن تسوقنا الأقدام إلى منزله الذي يبتعد خطوات فقط عن المسجد.

المكان مكتظ بالمعزين، والدموع تنهمر على وجنات النساء، نساء الحي، وبنات العم والأخوات، بينما في جزء من الركن جلست أمه ثابتة قوية، تناجي أوجاعها بين النساء، وتقول: كل جمعة كنت أقول له "ها يا يوسف، خلص ولا لسه، فكان يقول: لسه يمه، الجمعة الجاية كمان رايح"

 لم يترك جمعة واحدة، إلا وذهب، وفي كل مرة كان يبحث عن الشهادة، بينما تنتظر أمه عودته على أحر من الجمر، وهي تقلب في ثنايا الكلمات بحثا عن تعبير مناسب يليق بجمال ابنها تقول: كان هادئا، محبوبا، مسالما، عطوفا متسامحا، قلت له:" بدي أزوجك يمه" هز برأسه نافيا وقال" عند الحور العين يمه.

استشهد يوسف في مواجهات جمعة القدس، بعدما أصيب بقنبلة متفجرة في خاصرته، أرسلها له كل هذا العالم المتواطئ، على يد جندي إسرائيلي يمتهن القتل، ويحترفه ويهواه.

يوسف شقيق خامس لأربعة أولاد يسبقه، وله من الشقيقات ستة يعيشون في بيت صغير متواضع في قلب مخيم الشاطئ، تعرفهم جدرانه واحدا واحدا، بينما يخبئ أبناء إخوته تحت وسائدهم شهادات من المسجد التي تدل على حب حفظه للقرآن وسيرة نبيه، وتفوقه بهما.

ولكن يوم الرحيل قد أزف، توالت الجمع، واختار الله الجمعة الأخيرة في شهره الفضيل، ليرتقي يوسف إلى العلا، ففي ساعات العصر تلقت العائلة اتصالا من مستشفى الشفاء، كما قالت أخته التي اعتصرت الكلمات من بين دموعها وأوجاع قبلها وخرجت مرتجفة منهارة:" مكالمة من مستشفى الشفا جعلتنا نركض مسرعين، وما أن وصلنا إلى هناك حتى أبلغونا أنه في غرفة العمليات وأن حالته استدعت نقل عشرين وحدة دم، ولكنها أيضا لم تكن كافية، فقد فارقنا يوسف بعد نصف ساعة من محاولات الأطباء لإنقاذه باءت كلها بالفشل.

ولم يكن يوسف الفصيح ابن التاسعة والعشرين هو فقط الذي اصطفاه الله رفيقا في الجمعة المباركة الأخيرة من شهره الفضيل، بل رافقه أربعة بينهم طفل في فعاليات مليونية القدس بالإضافة إلى إصابة 618 بجراح مختلفة.

وهكذا لم يبق في أدراج يوسف سوى ذكرياته الطيبة، وحلم بالشهادة استطاع تحقيقه وأخوة وأخوات وأطفال كثر في الحي يفتقدونه ويبكون لفراقه، وأم تواسي قلبها وتقول: كنت كلما سألته، مع مين أنت يمه رايح؟! يقولي: مع الله، وقد ذهب.

وتعقيبا على ارتقاء الشهداء أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة نيتها عقد اجتماع طارئ حول غزة الأربعاء القادم، ومن هنا وحتى ذلك الحين ربما يزداد عدد الشهداء، وربما تلغي الدول العربية تعاطفها وتؤجل اجتماعها لبعد العيد، فلا شيء يدعو للاكتراث والعجلة، هي مزيد من أرواح كريمة تصعد إلى السماء.

البث المباشر