ماتزال مشاهد القمع والسحل والاعتداء حاضرة عند الحديث عن حراك الضفة الغربية لدعم ومساندة غزة والمطالبة برفع الظلم عنها عقب العقوبات التي فرضتها السلطة الفلسطينية على القطاع والتي دفعت بالوضع في غزة نحو ازمة إنسانية متفاقمة على جانب الحصار الإسرائيلي.
حراك الضفة وتحديداً رام الله رغم انه جاء متأخراً لكنه حمل رسالة قوية على عدة أصعدة. فمن ناحية وصل صدى الهتافات إلى الاحتلال الإسرائيلي بأن كل محاولات الفصل بين غزة والضفة لن تنجح وأن خلق حالة خاصة بكل تجمع فلسطيني لن يسمح بتعزيز الانفصال.
بينما قضت المسيرة مضاجع القابعين في المقاطعة والذين راهنوا طويلا أن الضفة غارقة في الهدوء ولن تستفيق منه من أجل غزة أو غيرها وذلك تحت السطوة الأمنية والقبصة الحديدية المزدوجة من السلطة والاحتلال.
الحراك ليس الأول الذي يجرب لمساندة غزة فقد سبقته عدة وقفات لم يتجاوز المشاركون فيها عدد أصابع اليد الواحدة وهو مشهد كان مريحا بالنسبة لمن يقود الضفة.
لكن المسيرة التي خرجت يوم التاسع من الشهر الجاري كانت مختلفة من حيث المشاركين والروح والهتافات التي تعتبر الأقوى والأجرأ.
والأهم أن جميع المشاركين أكدوا ان الحراك لن ينتهي الا برفع العقوبات، وربما لهذا السبب تحديداً حاولت العقلية الأمنية ونظام البلطجة قتل هذا الحراك في مهده قبل أن يتصاعد ويهدد حالة الهدوء التي تحاول السلطة المحافظة عليها.
ورغم حالة القمع الكبيرة التي جرت في مسيرة رام الله الثانية إلا أن الدعوات تجددت لمسيرة أمس الاربعاء في بيت لحم وأخرى السبت في رام الله وهو ما يعكس الإصرار على استمرار الحراك حتى رفع العقوبات عن غزة وللتأكيد على ان غزة والضفة جزء موحد من فلسطين.
الغريب أن من خرجوا في المسيرة ليسوا بعيدين عن السلطة فجزء كبير منهم من أبناء فتح والمنظمة والذين باتوا يشعرون ان إجراءات السلطة ليست ضد خصمها السياسي حماس وانما طالت مفاصل التنظيم في غزة والضفة أيضاً.
الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي كتب حول حالة القمع التي جرت في رام الله قائلا "المفارقة المؤلمة، أن الذين خرجوا بالمئات والألوف، مطالبين بوقف الإجراءات العقابية ضد غزة، إنما كانوا يرددون ما انتهى إليه المجلس الوطني الفلسطيني، في دورة اجتماعاته الأخيرة، من قرارات بهذا الشأن، وهو المجلس الذي تفخر السلطة بأنه أحد أبرز إنجازاتها، وأنه حفظ الشرعية وانبرى متصدياً لصفقة القرن وقرار ترامب بشأن القدس... لم يأت المتظاهرون «شيئاً فرياً».
وأضاف: "لقد رددوا قرار/هتاف الإجماع الوطني الفلسطيني، كما تردد في جنبات «المقاطعة»، وهو القرار الذي لم تجرؤ السلطة ذاتها على البوح بمعارضتها له، فعمدت إلى أساليب ملتوية للتملص من استحقاقاته، بالقول تارة أن خللاً فنياً طرأ عند تحويل الرواتب، وأخرى بتقاذف المسؤولية عن الامتناع عن تنفيذ القرار الذي تعهد الرئيس شخصياً بالعمل على ترجمته".
حالة القمع تزامنت مع العديد من التصريحات والتهديدات التي كان أبرزها ما جاء على لسان محافظ نابلس أكرم رجوب والذي أطلق نوبات من الوعيد والتهديد بأن يلعن كل من يتطاول على السلطة في إشارة إلى منظمي الحراك الداعي لوقف الإجراءات ضد غزة.
وربما تعكس هذه الحالة الهستيرية أن العقلية الأمنية والسلطوية ترفض أن تستمع لأي صوت مخالف لها وتعتبره على الفور طابورا خامسا يهدد وجودها، وبقدر ما استأسدت هذه الأجهزة على المتظاهرين بقدر ما أظهرت ضعفا لهياكل هذه السلطة التي يحاولون أن يحموها من مسيرة وهتاف قد يهدد وجودها إذا ما ارتفع الصوت أكثر.
وفي هذا الجانب اعتبر الرنتاوي أنه لا خيار أمام الفلسطينيين سوى «كسر» هذه السلطوية المنفلتة من كل حساب أو عقاب، قائلاً " ليس لهم وهم الذين تنتظرهم صولات وجولات من المواجهات مع الاحتلال، سوى الكفاح لانتزاع حقهم في التعبير والتنظيم والتظاهر، وكسر العقلية السلطوية التسلطية.
وتابع: الفلسطيني القادر على مواجهة الاحتلال، هو الفلسطيني المتمتع بحريته، لا الفلسطيني الرازح تحت طبقات متراكبة من الأجهزة القمعية... والفلسطيني الذي نظر للسلطة بوصفها جسراً للعبور نحو الدولة، لن يكون بحاجة لها حين تتحول إلى سدٍّ يحول بينه وبين مواجهة الاحتلال أو أداة لاغتصاب حريته وكرامته".
ويبقى الجميع في انتظار تعامل الامن مع التظاهرات والفعاليات القادمة والتي أكدت مصادر أن هناك توافقا بين منظمي مسيرة بيت لحم أمس والامن على عدم تكرار ما جرى في رام الله قبل ايام من اعتداء وتفريق للمظاهرة بالقوة.
وبحسب حديث مصادر فصائلية وحقوقية ورسمية فلسطينية، فقد تم التوصل الى تفاهمات وتوافق بين مختلف الجهات على تجنب كل ما يمكن ان يؤدي الى توتر الاوضاع خلال الفعالية التضامنية مع قطاع غزة الاربعاء في منطقة باب الزقاق وسط مدينة بيت لحم الساعة السادسة مساء.