مكتوب: مبادرات التخفيف عن غزة.. تدفعها المصالح وتضعفها الخلافات

صورة ارشفية
صورة ارشفية

غزة- شيماء مرزوق

ليست المرة الأولى التي يتصاعد فيها الحديث عن ضرورة حل المشاكل الاقتصادية المتفاقمة في قطاع غزة، فقد صاحب كل عدوان على غزة أحاديث مشابهة ما يرفع نسبة الشكوك حول إمكانية رفع الحصار او على الأقل فصل المسار الإنساني عن السياسي كما جرى الحديث في الفترة السابقة.

لكن أكثر ما يعزز فرص وجود مبادرات حقيقية يمكن ان تشق طريقها نحو الواقع هو التقاء المصالح الدولية والإسرائيلية والمصرية في تحسين أوضاع القطاع المحاصر منذ 12 عاماً، بل باتت ترى هذه الأطراف ان استمرار الحصار من شأنه أن يضر بمصالحها عبر تدهور الأوضاع في المنطقة نحو تصعيد غير مرغوب به الان.

وبعيداً عن الحسابات الإقليمية التي لها علاقات بعدة ملفات في المنطقة مثل سوريا ولبنان وحتى اليمن، فإن الإدارة الامريكية التي تستعد لطرح خطتها للتسوية في منطقة الشرق الأوسط ترى ان المفتاح لنجاح هذه الخطة هو الملف الفلسطيني والذي من شأنه أن يسمح بتمريرها أو أن تفشل عند البوابة الفلسطينية.

وربما آخر مساعي الإدارة الأمريكية في هذا الشأن ستظهر أكثر مع زيارة مسؤولين من البيت الأبيض إلى الشرق الأوسط تضم جيرالد كوشنر وجيسون غرينبلات، تحضيرًا لطرح صفقة القرن التي اعدتها إدارة ترامب للسلام، والتي استبقتها بلقاء بين رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتانياهو والملك الأردني عبد الله الثاني، وهو الاجتماع الأول بين الاثنين منذ حادث إطلاق النار في السفارة الإسرائيلية في عمان والتي أدت الى أزمة دبلوماسية بين البلدين، فيما يبدوا انه لقاء ضمن الترتيبات القادمة للقضية الفلسطينية.

وفي ذات السياق فإن زيارة المسؤولين الأمريكيين للمنطقة والتي سيلتقون خلالها بعدة دول مثل السعودية وقطر ومصر تهدف إلى تمهيد الطريق لخطة ترمب وصفقة القرن عبر التسهيلات الاقتصادية لغزة وحل الازمة الانسانية فيها وذلك قبل طرح الخطة الأمريكية ما يعزز أن الإدارة الأمريكية ماضية في رؤيتها التي أطلقتها منذ البداية بأن خطتها للتطبيق وليست للنقاش.

وقد ذكرت صحيفة هآرتس العبرية إن أحد أهداف الزيارة هو جمع مئات ملايين الدولارات من دول الخليج للاستثمار في البنية التحتية في قطاع غزة.

في المقابل تحذر قيادة السلطة من التحركات الأمريكية وتعتبر أن أمريكا تسعى لتحويل القضية الفلسطينية من سياسية إلى إنسانية، كما تتهم واشنطن بالسعي لفصل قطاع غزة.

وتسعى الإدارة الأمريكية لإقناع دول خليجية باستثمار ما بين خمسمئة مليون دولار ومليار دولار في غزة، لتنفيذ مشاريع اقتصادية طويلة الأمد.

ومن اللافت أن هناك أطرافا عديدة من المتوقع ان تلعب دورا في هذا الملف مثل قطر والامارات ومصر، لكن الأخيرة هي الطرف الأهم واللاعب الرئيسي في تمرير هذه المبادرات بدفع من الجانب الأميركي وبالتوافق مع (إسرائيل) التي وإن كانت غير متشجعة للنوايا الامريكية تجاه غزة الا انها لن تعترض عليها بعد كل العطايا التي قدمتها لها إدارة الرئيس ترمب.

الخلافات القوية بين الأطراف المختلفة التي ترغب بدور قوي في غزة في المرحلة المقبلة ارضاءً للولايات المتحدة، ربما لن تشكل عائقا نحو تمرير هذه المبادرات كونها مدفوعة برغبة الولايات المتحدة وستبقى ضابط لإيقاع هذه التحركات وتحدد لكل طرف دوره، وربما تشكل هذه التناقضات منفذ مفيد لغزة.

وفيما يتعلق بقطر والامارات ومن خلفهما السعودية فسيتركز دورهما على دفع الأموال والمليارات لتمويل المشاريع الحيوية التي من المتوقع ان يتم انشاؤها، بينما ستكون مصر هي اللاعب الأساس في الاشراف والتنفيذ خاصة أن الدور المصري هنا هام جداً، فبحسب الخطة المطروحة فان مشاريع الطاقة والمنطقة الصناعية ستقام في سيناء، كما ان الممر المائي الذي يجري الحديث عنه سيكون في سيناء، إلى جانب استمرار فتح معبر رفح بشكل مستمر وهو ما بدأت مصر بتطبيقه.

ورغم ان الحديث يدور عن انتعاش اقتصادي لأهالي غزة بعيداً عن اتفاق سياسي خاصة أن الوضع السياسي معقد جداً ومن الصعب حله، إلا ان الخطة الامريكية والتي تعمل على تركيز المشاريع الخاصة في قطاع غزة في منطقة شمال سيناء تدفع الفلسطينيين بطريقة غير مباشرة نحو مسار سياسي معين، يخدم صفقة القرن ويمهد لها في حين ان الحالة الفلسطينية والازمة الكبيرة في غزة خاصة بعد إجراءات السلطة ضدها تدفع غزة بقوة نحو القبول بالمبادرة الاقتصادية.

وتشير المعلومات إلى أن المبعوث الأممي لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ميلادينوف الذي طرح خطة لإقامة مصانع وبنى تحتية لإعادة إعمار القطاع بأموال سيتم جمعها عبر الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، سيزور قطاع غزة خلال الأسبوع القادم لمناقشة الخطة وتفاصيلها، والتي طرحها على الجانب الإسرائيلي الذي لم يتحمس لها لكنه أيضاً لم يعترض.

وفيما يتعلق بدور السلطة فإن الولايات المتحدة ستمنحها فترة محددة وفي حال استمرت في رفضها فسيتم تجاوزها بالكامل والعمل مباشرة في قطاع غزة عبر الجانب المصري وجهات دولية.

ومنذ عدة شهور تعقد الإدارة الأمريكية تحديدا مؤتمرات ولقاءات لبحث أزمة غزة ما يؤكد ان الخطة الامريكية تتوافق مع رؤية نتانياهو القائمة على السلام الاقتصادي والتي يعتبر أنها نجحت إلى حد كبير في الضفة ومن الممكن تطبيقها في قطاع غزة الذي من المفترض أن يكون مركز الدولة الفلسطينية القادمة.

البث المباشر