تبدو هذه الجمعة مغايرة نوعًا ما، سيقان عارية وأخرى مثبتة بمسامير معدنية، وعجلات سوداء يجرها الكثيرون نحو السياج!
جميع الأيادي بينهم تستند على طرفين طبيين في العرف اسمهما "عكازين"، وبين ثوار مسيرة العودة كانت بمثابة الوفاء لجرحهم ليكملوا الطريق نحو الوطن!
لم يستسلم أحدهم لألمه، هذا ما عكسته الصور التي وصلت شاشاتنا تباعًا، فلقد توجهوا جميعًا نحو "جمعة الوفاء للجرحى".
صف من الأطراف السفلية المبتورة يسابق آخر يستعد للزحف نحو "شارع جكر"، من لم يمتلك عكازًا منهم كان يستند على كتف شقيقه المعافى من البتر، والآخر يستمتع بالتقاط صورة لهما ونشرها عبر صفحته على الفيس بوك.
على امتداد الشريط الحدودي أشعل الشبان عشرات الإطارات المطاطية، إطار كبير الحجم تميز عن الآخرين، حيث استقر حول عنق مصاب حاول ايصاله رغم خطواته المتعثرة لجرح دمه النازف في الجمعة التي سبقتها.
ذاك الإصرار وتحدى التواجد والمشاركة رغم الإصابة كان رسالة جديدة لذاك القناص المختبئ خلف سواتر رملية أعدها لتحميه من هتافات الثوار" بالروح بالدم نفديك يا فلسطين".
طائرات ورقية وبالونات تحمل علم فلسطين أطلقت بالهواء، تجاوزت وحدها الحدود، ووصلت الى أطراف البلاد المسلوبة هناك. على كرسي متحرك وصلت الجريحة أسماء أبو دقة الى مخيم العودة بخان يونس، كانت تطلق العنان لعجلات كرسيها لتسابق المشاركين في المسيرة، توقفت أمام احدى الكاميرات، لتقول: "أي جريح على قيد الحياة لابد من اكمال رسالته"، ثم تابعت: "صحيح تصاوبنا، ونص مستقبلنا راح ولكن فينا نفس واليأس مش طريقنا، يا نصر أو شهادة".
نحو قوم لا يقهر ختمت بها أسماء، وتلتها 206 إصابات خلال جمعة الوفاء للجرحى، تلك الإصابات التي أضيفت على قائمة الجرحى القديمة.
لم تنته المواجهات بين المئات من الشبان وقوات الاحتلال في مناطق مراكز المخيمات، كما لم تتوقف آلية المحتل عن إطلاق حقدها صوبهم جميعًا رغم ادراكها أن الأغلب هنا جرحى أو جاؤوا وفاء للجرحى بشكل سلمي!
"اسعاف اسعاف" تكرر النداء أمام إصابة جديدة في ذات الجمعة، استقرت رصاصة متفجرة في البطن، المصاب يرفع شارة التوحيد ويردد الشهادتين، الآخر يلتقط له صورة، لقد كانت آخر صورة له وهو جريح بعد أن تحول فجر اليوم التالي الى شهيد!
"متأثرًا بجراحه" تلك العبارة التي لطالما أوجعت أهل الجريح وآلمت غزة كثيرًا، هذه المرة رحل أسامة أبو خاطر (29 عاما) ونفس العبارة التصقت بخبر رحيله، وأعلنت بدورها وزارة الصحة الفلسطينية، استشهاد الشاب الأول خلال جمعة "الوفاء للجرحى" شرق خانيونس جنوب قطاع غزة.
على جثمان الجريح الشهيد وضعوا وردة، وأخرى قابلتها فاستقرت بين مسامير "البلاتين" في ساق مصاب آخر شارك في المسيرة واستطاع أن يؤلم المحتل بجرحه!