مع انطلاق موقع القسام باللغة العبرية كتب محرر الشئون العبرية بموقع القسام: بين نفق ميت ونفق ثائر، في رسائل موجهة للعدو الصهيوني بلغته التي يفهما حيث بدأ بالقول : "بين الفينة والأخرى تطلع علينا صحافة الاحتلال بخبر مفاده "تدمير نفق هجومي في قطاع غزة" –بحسب متحدث الجيش-ويبدو أن هذا المتحدث لا يقول الحقيقة، على الأقل في تفصيل صغير لكنه شديد الأهمية: انه ينسى أن يذكر أن هذه الأنفاق التي تم تفجيرها ليست سوى أنفاق خرجت من الخدمة منذ حرب 2014. الاحتلال يصنع أي شيء لكي يرفع معنويات شعبه، ومن ذلك اختلاق بطولات سرعان ما سوف تظهر في أي مواجهة قادمة أنها بطولات كاذبة" .
وهذا يؤكد ما ذهبنا اليه في اعقاب ادعاء الاحتلال اكتشاف انفاق للمقاومة وأن ذلك يؤكد وجود دلالات واهداف اخرى للعدو من اعلانه المتكرر عن اكتشاف نفق هنا ونفق هناك يمكن ملاحظتها بالنقاط التالية :
- الاحتلال يريد تأمين رعب مضادّ يحتاج إليه أمام رعب الأَنْفاق الهجومية، وخلق حالة إحباط لدى العاملين بالأنفاق والحاضنة الشعبية للمقاومة، ويزيد المخاطرة المادّية التي تتكبّدها المُقاوَمَة مع كلّ نفق يُحفر .
- يهدف الاحتلال من ذلك ان تتردد المقاومة وتتباطئي في بناء الانفاق طالما شعرت أن الاحتلال الاسرائيلي قد أوجد الحل السحري لمشكلة الانفاق الاستراتيجية.
- محاولة منه لتأليب الرأي العام العالمي على المقاومة من خلال الحديث عن استثمار ملايين الدولارات في حفر الانفاق، بدلا من استثمار هذه الأموال في التخفيف من معاناة سكان القطاع .
- غالبا ما تكون الانفاق المكتشفة إما انفاق قديمة تم استخدامها خلال معارك المقاومة مع الاحتلال او انفاق اكُتشفت منذ فترة نتيجة لعوامل الطبيعة او الجهد الاستخباري الميداني على الارض، ولكن العدو يختار أوقات محددة لاستثمار اكتشافها ميدانيا .
وختم محرر الشئون العبرية بموقع القسام بقوله " ما ينبغي أن يعيه العدو جيداَ: أن غزة القرن العشرين غدت من الماضي السحيق. والذي ينتظر العدو، -أي عدو- يعتدي على غزة سوف يفوق كل خيالٍ إنسانيٍ مبدع، فلينفق العدو بقدر ما يستطيع من الأموال على إقامة الجدران والأسوار وعلى الوسائل التكنولوجية الكثيرة المختلفة والعجيبة، لكن: يجدر أن يكون أمرٌ واحدٌ شديد الوضوح: جعبة المقاومة الفلسطينية تعج بالمفاجئات، أصغرها ستبقي العدو مذهولاً فاغراً فاه دهراً، وإذا انتهى وقف إطلاق النار وبدأ العمل فإن الجميع. أقول الجميع. بدءاً برأس الأفعى وانتهاءً بذيلها لن يحظوا برؤية الأعياد"
وهي رسالة واضحة من المقاومة للعدو الصهيوني وجهت له باللغة التي يفهمها تقول له أن المقاومة بعد كل مواجهة مع الاحتلال ترتقي وتتطور، حيث تكون قد استوعبت الدروس الماضية، لذلك عمدت إلى تغيير تكتيكاتها في المواجهة ، وأن تراكم نجاحات المقاومة واكتسابها الخبرة والإمكانات سيغير قواعد المواجهة من خلال: جعل ميدان العدو الأمني والاستراتيجي ساحة قتال، وإطالة أمدها الأمر الذي يستنزف قوات العدو في أرض المعركة، وعدم قدرة مجتمعه الداخلي على الصمود والثبات، وجعل الأرض “المحروقة” مصيدة لجيش العدو، والاستفادة من العوامل الطبيعية والناشئة لاستدراج العدو وإيقاعه في الكمائن والمصائد، وفشله في تقييم قوة وأداء المقاومة بحسب المعلن، فقد عانت وستعاني الاستخبارات الإسرائيلية نقصاً في المعلومات والمعطيات الخاصة بالمقاومة .
وهنا لا يختلف مراقبان على أن تطور الأداء العسكري لكتائب الشهيد عزالدين القسام آخذ في التصاعد بصورة متسارعة أربكت حسابات العدو الصهيوني، وجعلت قادة جيش الاحتلال يعدّون للألف قبل أية مواجهة عسكرية يُقْدِمون عليها، ومن خلال متابعتي لمسيرة القسام منذ نشأتها ألحظ مهنية عالية ورؤية ثاقبة، ما يدل على وجود التخصُّص والاحتراف في كل المجالات؛ ففي الميدان العسكري أبدعت كثيرًا من أدوات المقاومة، وأدخلتها قاموس النضال الفلسطيني، ويلحظ المتتبع لتاريخ كتاب القسام العسكري أنها أدركت ضرورة التعلم والتدريب والاستزادة والاستفادة من الخبرات السابقة، ومحاولة البدء من حيث انتهى الآخرون، من أجل الوصول وتحقيق الاحتراف العسكري بشكله الصحيح .
هذه الرسالة مفادها أن مقاتلي القسام باتوا يمتلكون من الحرفية والجهوزية العسكرية في أرض المعركة ما يضاهي ويتفوق على مقاتلي أكثر الدول تقدماً، فهذا الجندي الإسرائيلي الأكثر إعداداً وتسليحاً في المنطقة، يسقط أمام مقاتلي القسام مذعوراً، فقوة مقاتلي القسام تكمن في "الإنسان" وليست في السلاح أو العتاد فقط، فكتائب القسام تراهن على المقاتل وعقيدته وخبراته القتالية المتراكمة وما تعده للعدو الصهيوني من مفاجأة في ارض المعركة.
فقد تميزت كتائب القسام بإعداد وحداتها المتعددة لضرب العدو في مقتل ومفاجأته؛ فهذه وحدة الضفادع البشرية التي سجلت اختراقاً عسكرياً نوعياً بالهجوم من البحر على قاعدة زيكيم العسكرية لأول مرة، حيث شكل هذا المشهد تطوراً لافتاً في أداء القسام وامتلاك مقاتليه الخبرة والاحتراف الذي أربك حسابات الاحتلال، هذا ما دعا ضابط كبير في سلاح البحرية الإسرائيلية، للقول: "إن وحدات الكوماندوز البحرية التابعة لكتائب القسام ستحتل مكاناً مركزياً في أي مواجهة قادمة"، وهذه وحدة الأنفاق وخاصة الأنفاق الهجومية والتي تم تجهيزها على مدار سنوات عبر وحدة الهندسة المسؤولة عن التصنيع وحفر الأنفاق، والتي كانت كلمة السر في تدمير معنوية جيش الاحتلال وتحييد قدرته الجوية القاسية، ومنها واجه القسام وحدات النخبة من خلال عمليات التسلل خلف خطوط العدو، واقتحام القواعد العسكرية، والمواجهة مع العدو من مسافة صفر حيث أوقعوا فيهم قتلاً وأسراً لم يعهدوه، ونفذوا العديد من عمليات الاقتحامات خارج حدود قطاع غزة الحالية، كما لعبت وحدة الدروع المسؤولة عن التصدي للمدرعات والدبابات دوراً نوعياً في تفجير عدد من الآليات وقتل عدد من جنود العدو، وبرز أيضاً دور وحدة الدفاع الجوي كوحدة جديدة أربكت حركة الطيران العدواني، وأسقطت عدداً من طائرات الاستطلاع، علاوة عن طائرات أبابيل بنماذجها الثلاثة المعلنة وما خفي اعظم، والتي أنتجتها وحدة القوات الجوية والقدرة المعلوماتية العالية، كذلك وحدة الظل، وهي إحدى أبرز الوحدات في كتائب القسام والتي أنشئت قبل سنوات، حيث يتم اختيار جنود هذه الوحدة وفق معايير دقيقة ويتم إخضاعهم لاختبارات عديدة ويمتاز جنودها لمهارات متنوعة وحنكة وخبرة قتالية عالية، كما أشار أبو عبيدة إلى أن المهمة الأولى لوحدة الظل هي تأمين أسرى العدو وإبقاؤهم بالمجهول، وإحباط أي محاولة لتحريرهم، ولا ننسى دائرة الإعلام العسكري إحدى أركان الحرب المعاصرة، فمن خلالها تم ضرب الجبهة الداخلية للكيان في الصميم، ومن خلالها تم كشف الجرائم التي يقترفها العدو، والبطولات التي يسطرها المجاهدون والتي اكتسبت هيبة ومصداقية عالية، ومَثّل أبو عبيدة الناطق باسم القسام أيقونة هذه الدائرة، وإن ما خفي من اعداد وجهد القسام عظيم وكبير، وأن لدى المقاومة كل ما يتوقّعه العدو وما لا يتوقّعه، فما قامت به المقاومة وما سيأتي إنما هو إرساء لمعالم مرحلة جديدة على طريق المواجهة مع الكيان الصهيوني.