بالزي البني الذي يرتديه الأسرى داخل المحاكم، وقف الطفل المقدسي "معاوية علقم" أمام القضاة، يحيطه جنود كثر، وما كان لافتًا ابتساماته القاهرة للسجن والسجان.
خمسة عشر عامًا عاشها "معاوية" في أزقة القدس مرحًا ولعبًا، لم يفكر في قسوة الحياة بعد، كانت سببًا في ردة فعله أمام القاضي حين نطق الحكم عليه.
- حكمناك ست سنوات وغرامة مالية
- معاوية: "مش فاهم"
حين نطق معاوية "مش فاهم" حاولت الأم ابتلاع القهر أمام القضاة، بينما أبوه قال: "كان حكمه صدمة عمري".
كيف ستمر هذه السنوات؟ من سيكون المداوي لآلامي بعد غياب ضحكات معاوية؟ كيف سيعيش طفلي بين وحوش مفترسة ينهشون قلبه الصغير!
دوامة تساؤلات عاشت بها والدة "معاوية" كانت كفيلة لأن تريها الحياة سوداء بفقدها لبراءة طفلها التي اعتادت أن تكون مفتاح صباحها وخاتمة نهارها كما تقول.
حقائب المدرسة على ظهور طلبة المدارس صباحًا تؤجج ذكريات القهر في قلب أمه، وتجعل قلبها معلقًا ما بين صباحها الذابل وصباحه القاسي.
في مخيم شعفاط كان "معاوية" برفقة ابن عمه في محطة القطار الخفيف، ودون أي مقدمات انقض عليه جنود الاحتلال وزجوا به في البوسطة.
وحشية الجنود الصهيونيين أنستهم أن المعتقل طفل في الخامسة عشر من عمره، ما جعله يتعرض لتحقيق قاسٍ في ظروف لا تمت للإنسانية بأي صلة.
ضرب وشتائم وعنف واجهها "علقم" في مركز تحقيق "المسكوبية"، يقول والده: "على الرغم من صغر سنه إلا أنه تعرض لتحقيق قاسٍ لمدة عشر أيام متواصلة".
قسوة الحكم أيضًا كانت صدمة للعائلة، فكيف للاحتلال أن يضيع أعمار الأطفال في زنازين لا تصلح للعيش الآدمي!، "معاوية آخر العنقود وهو بهجة بيتنا" يحكي والده.
ولأن الطفولة تجهض على عتبات الزنازين، فلم تعد للطفولة ملامح هناك.. فإن أهالي الأسرى يتفاجؤون مع كل صورة تخرج من السجن لابنهم.
تدرك ذلك حين تقول أم أسير قاصر: "لما زرته أول مرة كانوا مبسوطين يحكولي ابنك صار أسد وراجل.. كان كتير متغير"، غير أنها بكت كثيرًا لأن هم السجن أثقل كاهل ابنها فظهرت ملامح الكبر على وجهه وملامحه.
ابتسامة معاوية هي التي لا تختلف في سجنه.. ففي الزنزانة والبوسطة والمحكمة والزيارة كانت واحدة وقاهرة للسجان.
"كان معاوية مهذبًا، يحب الخير والسلام للجميع ومعلماته يشدن به دائمًا، لكنهم أفقدوه أحلامه وأمنياته أصبحت سرابًا في معتقلات الظلم" تحكي أمه.
ليس معاوية فحسب.. فأكثر من أربعمائة طفل قاصر يقبعون في سجون الاحتلال، في ظل ظروف قاسية ليس لها علاقة بمعاني الإنسانية.
في ظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية تفتقر للحد الأدنى من المعايير الدولية لحقوق الأطفال وحقوق الأسرى، يعاني الأطفال الأسرى من نقص الطعام ورداءته، وانعدام النظافة، وانتشار الحشرات، والاكتظاظ، والاحتجاز في غرف لا يتوفر فيها تهوية وإنارة مناسبتين.
عدا عن الإهمال الطبي وانعدام الرعاية الصحية، ونقص الملابس، وعدم توفر وسائل اللعب والترفيه والتسلية، والانقطاع عن العالم الخارجي، والحرمان من زيارة الأهالي، وعدم توفر مرشدين وأخصائيين نفسيين.
كما أن سلطات الاحتلال العسكري الإسرائيلي ضربت بعرض الحائط حقوق الأطفال المحرومين من حريتهم، وتعاملت معهم "كمشروع مخربين"، وأذاقتهم أصناف العذاب والمعاملة القاسية والمهينة من ضرب وشبح وحرمان من النوم ومن الطعام، وتهديد وشتائم وتحرش جنسي، وحرمان من الزيارة، واستخدمت معهم أبشع الوسائل النفسية والبدنية لانتزاع الاعترافات والضغط عليهم لتجنيدهم للعمل لصالح المخابرات الإسرائيلية.