في غمرة الأزمات والضغوط الكبيرة التي بدأت تُثقل كاهل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، يظهر مجددا رجل المال والاقتصاد "سلام فياض" والذي يعتبره الكثيرون بأنه يجيد إدارة المآزق والظروف السياسية المتأزمة.
وسط تزاحم الأحداث وفي ظل حالة العزلة السياسية التي يعانيها الرئيس عباس؛ بعد مقاطعته للإدارة الأمريكية على ضوء إعلانها القدس عاصمة إسرائيل، وصولا إلى انقياد الإقليم تباعا نحو البيت الأبيض أو "بيت الطاعة"، لم يجد الرجل الثمانيني بدا من العودة خطوة للوراء، وإعادة ترتيب الأوراق؛ عبر بوابة فياض.
برز ذلك من خلال ما كشفته صحيفة الحياة اللندنية عن تفاصيل "لقاء مفاجئ" عقده عباس، مع رئيس وزرائه السابق فياض واستمر أكثر من ساعة تناول الضغوط والأزمات التي تواجهها السلطة الفلسطينية وسبل مواجهتها.
إنهاء القطيعة
ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة أن اللقاء جاء بعد قطيعة استمرت سنوات، الأمر الذي أثار تكهنات حول إمكانية عودته إلى المشهد مجدداً، لا سيما مع تعرض السلطة إلى ضغوط سياسية ومالية خارجية، ضمن المحاولات الأميركية لتنفيذ مشاريع خدمية في قطاع غزة.
وقالت المصادر المطلعة أن هذه الضغوط تركت عباس أمام خياريْن، إما العودة إلى قطاع غزة، وتالياً التعرض إلى ضغوط سياسية في مقابل توفير الأموال اللازمة لحل المشكلات الإنسانية التي يعاني منها القطاع المحاصر منذ 12 عاما، أو الانسحاب وترك القطاع مفتوحاً أمام خطط ومشروعات تحمل عناوين إنسانية، لكنها ذات مضامين سياسية تتصل بخطة "صفقة القرن" الأمريكية للمنطقة.
وحسب الصحيفة، يرى كثيرون في فياض سياسياً قادراً على التعامل مع الضغوط المالية والسياسية الغربية في هذه المرحلة الحساسة، خصوصاً أن عباس أوقف الاتصالات مع الإدارة الأميركية، كما يتمتع بعلاقات واسعة مع صناع القرار في أميركا وأوروبا والأمم المتحدة.
ويعتقد كثير من المراقبين أن الرئيس عباس بات في حاجة إلى معاونين قادرين على مواجهة التهديدات الأميركية واحتوائها، والحد من أضرارها، لكنهم يضيفون أن عودة فياض للعب دور في السلطة الفلسطينية مرهون بالتفويض الممنوح له لتطبيق رؤيته، وفق الصحيفة.
وكان فياض أعلن في وقت سابق رؤية سياسية خاصة تقوم على توحيد القوى والفصائل الفلسطينية المختلفة في إطار منظمة التحرير، واستيعاب التغيّرات التي حصلت في قطاع غزة أثناء حكم حركة "حماس".
عودة للمشهد
ولا يستبعد الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل عودة فياض للمشهد السياسي من جديد بعد مرحلة من الجفاء والعدائية وملاحقة مؤسسات الرجل الذي يحمل فكر "السلام الاقتصادي".
ويرجع عوكل خلال حديثه لـ "الرسالة" ذلك إلى المشاكل والأزمات الكبيرة التي تعانيها السلطة وحالة القطيعة مع العرب والأمريكان وحتى الفلسطينيين أنفسهم، مشيرا إلى أن فياض مارس دورا سياسيا مهما وتولى رئاسة الوزراء في وقت كانت تعاني السلطة من مشكلات وحالة عجز كبيرة ونجح في إدارة تلك الأزمة.
ورجح أن يكون هذا اللقاء مؤشرا على مرحلة جديدة في العلاقات الفلسطينية-الفلسطينية، كون أن فياض لم يستعدي أحد ويتواصل مع الكل الفلسطيني وبقدم نفسه كشخصية وطنية مستقلة لها رؤية واضحة.
احتمال قائم
ويتفق الأكاديمي والمحلل السياسي د. تيسير محيسن مع سابقه، مبينا أن واقع السلطة المتأزم على خلفية ما يسمى بـ"صفقة القرن" يحتم عليها البحث عن العديد من الطرق لإنقاذها من تلك الأزمات.
ويعتقد محيسن في حديثه لـ"الرسالة" أن رئيس السلطة عباس بات يدرك أن الملاذ الأخير له هو العودة إلى المصالحة مع قطاع غزة؛ للقدرة على مواجهة تمرير تلك الصفقة، لافتا إلى أن ذلك يمكن أن يتم عبر شخص فياض.
ويوضح أن عباس قد يسعى إلى استرضاء حركة حماس بإقالة رئيس الوزراء رامي الحمد لله وتكليف فياض، مستبعدا أن ترفض الحركة شخص الرجل الذي تم طرحه في المرات السابقة لترتيب الوضع الفلسطيني المعقد.
ويلفت محيسن إلى أن عباس يحاول الاستناد إلى شيء يشد صلبه، مبينا أن فياض وهو آخر أوراق عباس للإسهام في تطويع غزة وادخالها لساحة اللعب السياسي عبر اغلاق ملف الانقسام.
وسلام خالد فياض خضر، من مواليد 1952، وشغل منصب رئيس الوزراء بقرار رئاسي في 15 يونيو 2007، إلا أنه تقدم باستقالته من منصبه كرئيس للوزراء في 2013/4/11 على إثر خلافات بينه وبين عباس الذي قبل استقالته، وكلف الدكتور رامي الحمد الله بتشكيل حكومة بديلة.
وفي نهاية المطاف يمكن القول إن الأيام المقبلة كفيلة بكشف الغاية من وراء لقاء الرجلان اللذان فرقتهم السياسة وجمعتهم المصالح.