تمنت أم أحمد أبو حليمة أن يبقى حديث ابنها محمد حلمًا عابرا، حينما أخبرها بأن عاش لحظات مفرحة بحلمه يسير برفقة عدد من الشبان في طريق يتجه إلى القدس، وقتله لجنود (إسرائيليين) اعترضوا طريقهم، إلى أن ارتقى شهيدا برصاصهم بعد وقت قصير.
مرّت أيام قليلة على الحلم وإخبار الأم به، حتى أصبح حقيقةً على حدود غزة، حينما ارتقى محمد شهيدا، برصاص قناص (إسرائيلي) اعترض طريقه التي يسلكها كل المشاركين في مسيرات العودة الكبرى، برغم أن أجسادهم على أرض غزة، إلا أن أعينهم ترنو إلى القدس.
وتقول والدة الشهيد محمد الذي يبلغ 22 عاما لـ "الرسالة": "اجاني يقول يمه انا مبسوط، حلمت إني رايح على القدس ومعي شابين، وفي الطريق قابلونا الجيش، وقتلت اثنين منهم، وبعدين استشهدت"، ولا غرابة في ذلك، حينما تعلم ان الشهيد محمد كان يلازم مخيم العودة شرق مدينة غزة، ويزوره بشكل يومي حتى أصبح أحد أعمدته.
وككل جمعة يتقدم محمد صفوف المتظاهرين، ليشعل الإطارات المطاطية "الكاوتشوك" للتغطية على المتظاهرين من رصاص القناصة، حتى أنه أصيب في إحدى أيام الجُمع الماضية برصاص حي، ورغم ذلك واصل الذهاب للحدود رغم عدم شفائه من الإصابة حتى استشهاده في الجمعة التي حملت عنوان" موحدون من أجل إسقاط الصفقة وكسر الحصار".
وعند خروجه من البيت بعد أداءه صلاة العصر، هنأ جيرانه بفرحهم على أحد ابنائهم، وأخبرهم بأن يستعجلوا في إتمام الفرح، لأن المكان سيشهد عزاءً، وحينما سألوه عن الميت، قال: "أن شهيد اليوم بإذن الله"، وكان ما أخبرهم به، فما كانت إلا ساعات قليلة، حتى جاء نبأ استشهاده، ويتحول مكان الفرح، إلى خيمة عزاء للشهيد محمد.
وتشير والدته إلى ان الشهيد محمد لم يكن ليغيب ولو لمرة واحدة عن مسيرات العودة، بل كان يدعو أصدقائه للمشاركة، ويتصل بهم بشكل يومي، ويحثهم على الذهاب للحدود من أجل رفع صوت المحاصرين في غزة، ويتقدمهم في الصفوف الأمامية.
وعن تقدمه يقول والده لـ"الرسالة": "كانوا يحكولي محمد بيتقدم الصفوف، ومن قلقي عليه، رحت مرة في المناطق الأمامية على الحدود، فوجدته رقم 1 في المتظاهرين، عاطفة الأب دعتني للنداء عليه كي يتراجع، فأجابني، إذا انا ما قدمت، لمين نترك الساحة؟".
ويضيف والده: " كان مميزا في حياته، وتعامله مع الناس وفي مقدمتهم أهل بيته، حتى كان مميزا بشهادته، وكان له ولنا الشرف باستشهاده على مستوى مسيرات العودة في الجمعة الأخيرة"، ومع ذلك يرفق والد الشهيد أمنياته بان كان يرغب في تزويجه، والفرح بأحفاده الذين يحملون اسم محمد، إلا أن ذلك بات سرابا باستشهاده.
على سطح المنزل، صعد والد الشهيد في ثاني أيام ارتقاء محمد، ليزور غرفة الحمام الذي كان يربيه محمد، ليجده مختبأ في مكان نومه، برغم أن الوقت كان الضحى، والشمس قد دخلت إلى المكان، وكأنهن في حالة حزن على صاحبهم.
فإن كان حنان الشهيد قد طال الحمام، فكيف حال علاقته مع أشقائه وشقيقاته في البيت، الذين أجمعوا في لقاءهم مع "الرسالة" على أن كان الأحن عليهم، ولا يبالي في إعطاءهم النقود اللازمة لشراء ما يريدون، وقتما أرادوا، ولو كان على حساب تأجيل شرائه للحاجيات الخاصة به.
صحيحٌ أن محمد غاب عن العائلة بجسده، إلا ان ذكرياته تطوف أركان بيتهم المتواضع بحي الشجاعية شرق مدينة غزة، وكذا الحال مع جيرانه الذين بكوه كعائلته إنْ لم يكن أكثر، من طيب المعاملة التي كانوا يلقونه من الشهيد.