لا ينكر أحد أن منصات التواصل الاجتماعي قد أخذت حيزا كبيرا من حياة الناس، وأضحت جزءا من ثقافتهم، ومؤثرة في سلوكهم وتصرفاتهم، وهو ما حدا بعدد من كبار الدعاة وأهل العلم، وصغارهم إلى امتطاء صهوتها وشغل ساحتها؛ لتغدو منبرا دعويا وساحة إرشادية، يؤمر من خلالها بالمعروف، وينهى عن المنكر، فانتشرت الحسابات الدعوية، والصفحات الوعظية، والمجموعات الشرعية؛ لتحقيق هذا الغرض، وتسهيل التواصل، ونقل الخبرات، والاستفادة من التجارب الدعوية في مختلف الساحات الجغرافية، والعمرية، والتخصصية.
لكن ثمة مثالب يقع فيها عدد من الفضلاء عن غير قصد، كلها تعود على مقصد استعمال هذه المجموعات بالبطلان، وقد رصدت جملة منها من باب التذكير والتحذير، وإليك بيانها اليسير، في النقاط الثماني التالية:
الأولى: الحاطبون: ذلك أن عددا من الأفاضل تراه يلقف كل قصة تصله، أو نادرة يطلع عليها، أو مقطع يرسل إليه، فيعيد نشره دون انتباه لمحتواه، ولا ما يترتب عليه، وقبل التثبت من صدقه، أو صحته، أو دقته؛ حتى وصل الأمر ببعض الكرام أن يرسل لي المقال وضده، والفكرة وما ينقضها في آن واحد!!
الثانية: الأحاديث الضعيفة: ومعلوم أن الكاذب على النبي صلى الله عليه وسلم عمدا، له مقعد ينتظره في جهنم، وقديما كنت تعذر الدعاة في الاستدلال ببعض ما ضعف من الأحاديث، أما اليوم فلا عذر في ترك التثبت؛ لسهولة الوصول إلى الحكم على الأثر قبل نقله بالرجوع إلى البرامج والمواقع التي يسهل الوصول إلى الحكم فيها؛ كالدرر السنية ونحوها.
الثالثة: الناسخون اللاصقون: فترى ذات المنشور يرسله لك عشرة، كلهم ينقله بأخطائه، وعجره، وبجره، عن غيره، وربما كان أصله شطحة صوفية، أو تخبيصة شيعية، أو كذبة رافضية!!
الرابعة: العصافيرية: عجيب أمر ذلك العصفور؛ يحط على شجرة التين، فينقر كل ثمرة نقرة، أو نقرتين، ثم يمضي لغيرها، فما سلمت منه الثمار، ولا أكل شيئا ذا بال، وكذلك الحال في الدعاة العصافيريين؛ يقعون على أطراف العلوم، ورؤوس المسائل دون إحاطة تامة بتفريعاتها، فراحوا يلوصون بأنصاف المسائل وأرباعها وأعشارها، فلا هم فهموا المسألة كاملة، ولا سلم منهم دين الناس!!
الخامسة: قوارع الطريق: ذلك أن عددا من الدعاة - على قلتهم - أصابهم ما يصيب العامة من حب لنشر أخبارهم الشخصية، وصورهم الخاصة على منصات التواصل الاجتماعي، وقد كان السابقون يرون الأكل والشرب عورة يسترونهما عن الشوارع، أما هؤلاء فقد أضحت بيوتهم شوارع، وراحوا ينشرون ما حقه الستر من خفايا البيوت، وأحوال العوائل!!
السادسة: التخجيل والإحفاء: فالأدب يقتضي أن تستأذن أخاك قبل إضافته لأي مجموعة دعوية، ولو حصل وأضفته دون إذنه فلا حرج، ولكن لا يلزمه البقاء، فلو خرج منها فالتمس له العذر، ولا تعاود إضافته بعد خروجه، ولا تغلظ له في المعاتبة، كما لا يلزم في كل رسالة ترسلها أن تستحلف مستقبلها أن يرسلها لعشرة آخرين!!
السابعة: القنوات الإخبارية: يا قوم.. إن منصات التواصل الاجتماعي متعددة الاستعمال والفوائد، ومن بحث عن شيء وجده، فلا تخلط الشرعيات في الصحيات، والإخباريات في الاجتماعيات، واحرص على مراعاة مراد إخوانك وقصودهم من مجموعاتهم، ولا تنشر السياسة في ساحات الرقائق، ولا الرياضة في مواطن الفقه والتفسير.
الثامنة: خالف تعرف: وهو داء يصيب الدعاة السنافر، الذين همهم الإغراب مهما كلف، فالفقه أغلبي خلافي، والعمل بما يرجحه الثقات واجب، فلا تحرص على الإغراب والمخالفة، والبحث عن النادر؛ حرصا على تخطئة إخوانك، أو مجادلة شيوخك، فإن ذلك علامة من علامات فساد النوايا، وسوء الطوايا، والعياذ بالله.
والله يتولاك ويرعاك.