الاستمرارية هي نقطة القوة الأبرز في حراك ارفعوا العقوبات الذي بدأ منذ شهرين تقريباً في رام الله، التي انتفضت لمساندة قطاع غزة ومطالبة السلطة بوقف الإجراءات العقابية التي فرضتها على القطاع منذ مارس 2017، والتي ساهمت بشكل كبير في تعميق الازمة الإنسانية التي يعاني منها قطاع غزة.
وبعدما كانت المسيرات تتركز في دوار المنارة وسط رام الله وترفع شعارات تطالب برفع الحصار والإجراءات عن غزة، وتؤكد أن غزة والضفة وطن واحد من غير المقبول انتهاج سياسة مختلفة اتجاه كل منهما.
وقد كان لافتاً أن المتظاهرين غيروا من حراكهم في مسيرة السبت الماضي عبر الشعارات التي رفعوها والتي طالبت مقابلة رئيس السلطة محمود عباس لتسليم مطالبهم له، الى جانب تحركهم باتجاه منظمة التحرير.
وقالت مصادر صحافيّة إن الأمن الفلسطيني منع المتظاهرين من الوصول إلى مقرّ المنظمة، وقد جدّدت الحملة في بيان لها تأكيدها " أن الشعب الفلسطينيّ لن يصمت على عقاب غزّة التي لا تزال تسطّر الملاحم البطوليّة والكرامة وسيدعم غزّة ومسيراتها، كما سيدعم الخان الأحمر، فالنضال واحد".
ونوّهت بأنّ "المطلب الذي ترفعه الحملة هو قضية حق للشعب الفلسطيني، وقضية وطنية لا يمكن للقمع أو السحل أو الاحتواء أن يؤثّر على مسيرتها، ولن تتوقف الحملة إلّا بالرفع الكلّي للعقوبات عن قطاع غزّة".
ويتضح من حجم الحشد الأمني في محيط المسيرة، ان قيادة السلطة في المنظمة قلقة جداً من شكل حراك ارفعوا العقوبات، وهي التي كانت تعول طوال سنوات الانقسام على عزل سكان الضفة الغربية عن أبناء شعبهم في غزة، من خلال خصوصية الضفة التي تختلف عن قطاع غزة من حيث الإشكاليات والهموم.
كما لعبت السلطة على وتر الاستقرار المالي والاقتصادي الذي تدفع بقوة نحو استمراره في الضفة لضمان حالة الهدوء الأمني هناك، وذلك بالتوافق مع الاحتلال الإسرائيلي الذي يرى في حالة الاستقرار التي جرت خلال العشر سنوات الأخيرة فرصة تاريخية لتمرير كل مخططاته ومشاريعه لتصفية القضية والسيطرة على الضفة الغربية.
وقد تعكس التصريحات النارية لقادة فتح والسلطة ضد الحراك حالة الخوف التي يعيشوها، كون أي انفلات أمني يهدد وجودهم والسلطة معاً، لذا كان الهجوم الكبير على الحراك رغم أنه لم يرفع الا شعار رفع العقوبات، وهو مطلب أوصى به أعضاء في مركزيّة "فتح"، وأوصى به "المجلس الوطنيّ" بالإضافة إلى "المجلس المركزيّ" وتتبنّاه كافة الفصائل الفلسطينيّة رسمياً باستثناء "فتح".
كما ان مشاركة عدد من الشخصيات المستقلة وقادة الفصائل الفلسطينية في الضفة في الحراك وتحديداً المسيرة الأولى والثانية يؤكد حالة الخذلان التي تعيشها هذه الفصائل التي فقدت قدرتها على الضغط على المتنفذين في السلطة عبر المؤسسات الوطنية مثل المنظمة وغيرها، لذا لجأت للشارع لتمارس حالة ضغط شعبي بعدما فشل الضغط السياسي.
كما يعكس أن قرار فرض العقوبات كان أسهل بكثير من رفعها، والتي من الواضح أن هناك شخصيات عديدة متنفذة وذات مصالح شخصية تضغط باتجاه استمرارها، لتمرير أجندات خاصة بها عبر الضغط على قطاع غزة حتى يخضع لشروط السلطة التي ترى أن قطاع غزة هو الملعب السياسي القادم بعدما حسمت (إسرائيل) الصراع بالكامل في الضفة ووضعت يدها عليها ورغم أن الاحتلال يفضل استمرار وجود السلطة بوظيفتها الأمنية الحالية إلا أن غيابها لن يفرض عليه تحديات امنية كبيرة بعدما بات متحكما بكل مناحي الحياة هناك بفضل التنسيق الأمني ويمكنه التدخل في أي لحظة.
ولا يمكن الفصل بين الوضع المتفجر في غزة وبين قلق قيادة السلطة التي تمارس أقصى درجات الضغط على حركة حماس إلى جانب الاحتلال، لأنها تعيش حالة رعب حقيقية كونها تعتقد انه إذا ما جرى أي اتفاق بين (إسرائيل) وحماس في غزة، فان الأخيرة ستكون قد سحبت البساط من تحت اقدامها وانتهى دورها الحقيقي لتبقى مجرد ديكور في الضفة.
لذا من المهم استمرار الحراك الشعبي وتصاعده وتمدده في الضفة الغربية كونه يشكل حالة ضغط على السلطة وقد يجبرها على التراجع عن إجراءاتها بالتزامن مع الضغوط التي تمارسها عدة أطراف أبرزها مصر لتحقيق المصالحة الفلسطينية.