لو كان (هرتزل) حياً لضحك ملأ شدقيه فرحاً بإنجاز تلميذه من بعده (بنيامين نتنياهو) الذي أقر قانون ( الدولة القومية اليهودية) منكراً بذلك حق الوجود الفلسطيني ومؤسساً لكيان عرقي متطرّف.
في (الكنيست) سهروا الأسبوع الماضي حتى الثالثة فجراً حتى يصوتوا على قانون
ظل حبيس الأدراج لسنوات طويلة حين كان الخلاف قويا بين اليسار والعلمانية مع اليمين المتطرف.
(إسرائيل) هي البيت القومي للشعب اليهودي".. هذا أهم نصوص القانون الذي نال موافقة بشكل نهائي في الكنيست الإسرائيلي بتصويت 62 عضوًا وعارضه 55 عضواً أهمهم النواب العرب الذين مزقوا أوراقه وطردوا من القاعة.
وقال رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، بعد المصادقة على القانون، إنه "بعد 122 عاما من نشر هرتسل لرؤيته، فقد تحدد في القانون مبدأ أساس وجودنا، وهو أن (إسرائيل) هي الدولة القومية للشعب اليهودي".
ويكشف القانون عن مبادئ ورموز الدولة ولغتها العبرية الرسمية الوحيدة والعاصمة الموحدة القدس وحق الوجود وتقرير المصير لكل اليهود في العالم وهو ما يشطب الوجود الفلسطيني وحقوقه.
قانون عرقي
الآن أصبح لـ(شيلوك) تاجر البندقية اليهودي في رواية (شكسبير) وطن ومن حق أحفاده أن يرطنوا العبرية ويطردوا الفلسطيني من أرضه ويعودوا للتجارة بعد أن منحهم القانون الجديد فرصة جمع الشتات.
وكالعادة تعالت أصوات النواب العرب في (الكنيست) بعد التصويت رفضاً لما جرى وقال النائب د. أحمد الطيبي أمام الهيئة العامة: "في دولة (إسرائيل) اغلبية قومية يهودية حاكمه مستبدّة وأقلية عربية فلسطينية مستهدفة ومستضعفة منذ اقامة دولة (إسرائيل)، ولا يوجد مساواة بين العرب واليهود فهناك ٦٠ قانونا عنصريا ضد الفلسطينيين ومصادرة للأراضي والتمييز".
ويؤكد محمد مصلح المختص في الشئون الإسرائيلية أن القانون يحدد هوية الدولة ويكشف عن نظامها الداخلي وقد جاء بعد نقل سفارة أمريكا للقدس بعد أن ظل حبيس الأدراج واختلف عليه اليمين مع اليسار طويلاً.
وتشهد (إسرائيل) منذ عدة سنوات سباق لإقرار قوانين كثيرة تعزز هيمنة الاحتلال وتركز على الاستيطان وتهويد القدس ويهودية الدولة ما يبدد حلم أي دولة فلسطينية.
ويقول المختص مصلح إن خطورة القانون تكمن أنه يعطي اليهود في كل العالم حق تقرير مصير بعودتهم لفلسطين ويشطب حق تقرير مصير أي عربي فلسطيني وهذا يحسم الصراع ويجهز على خيار تبادل الأراضي.
(إسرائيل) تعود لمفهوم الدولة في القرون الوسطى حين تعلن أنها دولة الدين (القومية + الدين) وهذا حسب ترجيح المختص مصلح يجرد الفلسطيني من حقه في أرضه.
ويتابع:"القانون يفصح عن صراع ديني وسيترتب عليه بدعم أمريكي الحصول على اعتراف كل دولة تعترف بـ(إسرائيل) أنها دولة يهودية وهنا ستخضع الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية لاختبار؟
إنكار الفلسطيني
كأن ربع قرن من عملية التسوية كانت تُكتب اتفاقاتها فوق الماء تتبخر، فإقرار قانون القومية اليهودي يسدل الستار عن أي حق وثابت فلسطيني.
ويؤكد رمزي رباح الخبير في شئون القضية الفلسطينية أن التصويت الحالي على القانون لم يتم سوى بدعم أمريكي وأنه يوفر للاحتلال غطاء لسن قانون (عرقي-عنصري) ويشرّع وجود السكان الطارئين محل السكان الأصليين.
ويضيف: "القانون يدعو لتجميع اليهود تحت شعار أبناء دين واحد وهذا سينعكس على مجمل القوانين التي تحكم (إسرائيل) فلم تعد (إسرائيل) دولة لمواطنيها بل دولة لليهود وهذا يكشف هدف الاحتلال كنموذج كولونيالي استيطاني ويضع مخالفات في يدنا لملاحقته".
القانون يجرد الفلسطيني من حق تقرير مصيره داخل أرض فلسطين (48) والضفة والقدس وهذا سيؤدي لاحقاً لاستيلاء المستوطنين على أراض محتلة منذ النكبة وعام (1967) وهي حسب رؤية الخبير رباح مخالفة للقانون الدولي.
العربية والقدس
ومنذ نشأة الاحتلال ظلت اللغة العربية اللغة الثانية الرسمية في (إسرائيل) لكن القانون الجديد يعتمد اللغة العبرية كهوية للدولة وبدأ يصف اللغة العربية بأن لها (مكانة خاصّة) وهو ما يفسره المختص مصلح بأنها ستصبح خاصّة فقط بأهلها.
وكان (نتنياهو) قد هدد قبل أيام، بحل الحكومة وتقديم الانتخابات العامة في حال تم تغيير البند المتعلق بإلغاء مكانة اللغة العربية في "قانون القومية" العنصري والمعادي للديمقراطية، الذي أقرته الهيئة العامة للـ(الكنيست).
ويقرأ رمزي رباح الخبير في شئون القضية الفلسطينية أن شطب اللغة العربية يعمل على طمس الفكر والتراث الفلسطيني والموروث الثقافي بعد أن ظلت طوال سبعة عقود لغة رسمية.
جوهر الصراع مدينة القدس المحتلة أصبحت خارج فلك المفاوضات وقد عرفها القانون الجديد بأنها عاصمة أبدية وموحدة كما ردد مذيعو نشرات الأخبار قبل نصف قرن من احتلالها.
ورغم امتلاك الاحتلال عوامل القوة إلا أن إدانة القانون له مهمة استفادة من قوانين المؤسسات والمحاكم الدولية وهذا ما يعزز إقرار المؤسسات الدولية أن الصهيونية كيان عنصري.
حالة القلق التي غلبت على تصريحات الدبلوماسية الدولة والعربية والإفصاح عن خطورة ما يجري التي وردت بألسنة فلسطينية لا تكفي للتصدي لوتيرة العمل المتسارع في تهويد كامل فلسطين.