قائمة الموقع

مكتوب: دماء الشهيد "العثامنة".. بوصلة القدس التي لا تعرف الضياع

2018-07-25T05:51:43+03:00
الشهيد العثامنة
الرسالة نت - ياسمين عنبر

لطالما أخبر شجرة الزيتون التي تتربع أمام المنزل لأجله بكل تفاصيل حياته، بين أغصانها تتواجد أحلامه التي همس بها إليها، وتخبئ في جذورها أسراره.

على جلدها نقش رؤوس أقلامٍ لا يفهم مغزاها إلا هو، فلم يكن غريباً حين رحيله شهيداً أن يتوقف نعشه تلقائياً ولدقائق عند تلك الشجرة، ما أثار استغراب والده والمشيعين كثيرًا.

ربما خط هناك تفصيلاً أخيراً لها، كأن يترجل عن نعشه دون أن يراه أحد ويهمس لها شيئاً ما ثم يعود ليسافر لخلوده.

"أحمد العثامنة" ابن الستة والعشرين عامًا، كان أحد الثائرين على حدود مدينة "بيت حانون" شمال قطاع غزة، لأجل القدس والأقصى أولا، ثم لأجل استرداد حقوق أجداده في أرضهم فيما بعد.

خبر نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، لم يمر كخبر عابر على قلب "أحمد" الذي كان يحلم أن يسجد على عتباتها باكيًا ساجدًا، دون أن يعكر صفو قلبه جنود إسرائيليون يحيطون بباحات الأقصى.

"أقسم أحمد أن لن يهدأ له بال" هكذا قال والد الشهيد وهو يصف ثورة "أحمد" التي أُشعِلَت في قلبه قهرًا، فخرج إلى حدود غزة في شهر ديسمبر الماضي وبقي مرابطًا هناك.

اللهفة التي كانت تبدو على "أحمد" عند خروجه إلى مسيرات العودة لم ينسها الأب أيضًا، وفي كل يوم يعود فيه إلى البيت يجده ثائرًا ومتحمساً أكثر.

في جمعة الوفاء للشهداء والجرحى، خرج "أحمد" منتفضًا كي يثلج قلوب أمهات الشهداء، وكي يكون وفيًا لدماء الجرحى وأعضائهم المبتورة التي غرست في الأرض كي تنبت نصرًا وحرية، ليعود يومها على أكتاف أصدقائه شهيدًا.

القهر هناك.. كان واضحًا على ملامح الأب المكلوم، ليس لفقد واحد من أبنائه فحسب.. بل كان الابن والصديق ومفتاح النهار.

بكى والد "أحمد" مرتين أثناء حديثه، فمرة حين قال: "والله هالأحمد حبيب قلبي..كنا نشرب القهوة الصبح أنا واياه من تحت ايديه"، فكان يبكي كلما ارتشف من فنجان قهوةٍ أمامه، وانهمر أيضًا بالبكاء ثانية بمجرد جلوس أمه أمام كاميرا "الرسالة" للحديث عن حكاياه  دون أن ندرك السبب في البداية.

فقبل أيام من استشهاده جلس "أحمد" بجانب أمه وكأنه يمسك ميكروفونًا وراح يسألها: "كيف يا حجة كان الشهيد أحمد معك؟ شو أكتر ذكرياتك معه؟ احكيلنا عن أحمد وشقاوته"، ثم يشيح بيده كأن مصورًا أمام أمه، ويصيح "وقف التصوير.. مش امهات غزة اللي يبكوا على اولاد قدموا روحهم لفلسطين".

كان المشهد يعيد نفسه كما قاله "أحمد"، لم يكن مزاحًا أبدًا هذه المرة.. كان كابوسًا لقلب أمه.. موجعًا لوالده.. مؤلمًا لكل من رأى دموع أخواته قد انهمرت بمجرد توجيه الكاميرا على أم الشهيد.

هنا في غزة.. ليس الأم فقط من تنجب، فقد ترى ابنها الشهيد في ملامح صديق له أتاها يقبل رأسها قائلًا: "أنا ابنك من بعد قمرك الشهيد"، وقد ترى ابنها في ابن جارتها التي صار يقضي حاجاتها بمجرد أن بترت قدم فلذتها.

تدرك ذلك جيدًا حين تحدثك أم الشهيد "أحمد" عن جارتهم الحاجة "أم مجدي العثامنة" التي استشهد ثمانية من أبنائها في مجزرة دامية بالعدوان الأخير على غزة حتى سميت "أم الشهداء"، والتي كان "احمد" عوضًا لها عنهم قبل أن يلحق بهم هو الآخر.

في أول قصة للسلك كان "أحمد"، وفي دبكة الشباب على الحدود على أنغام الميجنا والعتابا كان أيضًا، وعلى مرمى قناصة الاحتلال.

أسفل صورته المعلقة على الحائط، وضعت الأم صورة "رصاصة الفراشة" التي فتكت بجسد "أحمد" حتى رحل عن الحياة.. لم نسألها لماذا وضعتها في إطار وبرواز، كانت دموعها تجيبنا كلما نظرت إلى الصورة وأجهشت بكاءً.

بعد استشهاده أدركت شقيقته "منار" أن الشهداء لا يموتون، فكيف يموت "أحمد" وهي التي تخبئ في أحشائها جنينًا سيحمل اسمه؟

اخبار ذات صلة