لم تتوقع الشابة العشرينية "سهى.م" أن تكون نهاية زواجها الذي خططت له بصحبة شريك حياتها في المحاكم، فقد حلم الزوجان بحياة السكينة والطمأنينة، لكن الواقع اختلف وقلبت حياتهما رأسا على عقب بعد شهر واحد من الزواج بسبب تدخلات والد الزوج بكل "شاردة وواردة".
الزوجة أصبحت تسلك طرق القضاء كل شهر تقريبا علها تظفر بورقة طلاق مع أخذها لحقوقها كاملة بدلا من الحياة العشوائية التي عاشتها طيلة وجودها في بيت زوجها كما أخبرت معدة التحقيق.
تقول "سهى":" صدمت بالواقع حينما أصبح زوجي يخبر عائلته بما يدور بيننا من تفاصيل خاصة، عدا عن تدخل والده الزائد بكل شيء، وكذلك تحرشه المستمر رغم أننا من عائلة واحدة.وتتابع:" لم يصدق زوجي ما اخبره به عن والده، فكان يرد عليّ بالضرب المبرح حتى حاولت الهرب منه مرارا إلى بيت أهلي".
طرقت الشابة "سهى" باب المحامين حتى اهتدت إلى رفع قضية شقاق ونزاع كي تضمن حقوقها كما قالت، لكن قضيتها لاتزال عالقة بسبب المحكمين الذين وضعهم زوجها ووافقت المحكمة عليهم، لكن الان تنتظر تغييرهم لعدم انصافها.
حالات: طرق القضاء الشرعي وعرة، لكن نصمم على أخذ حقوقنا
ولجأت سهى لرفع قضية شقاق ونزاع لأخذ حقوقها، مشيرة إلى أن وضع زوجها المادي يسمح له بمنحها حقوقها كاملة، لاسيما وأنها تضررت من الزواج.
حكاية "سهي" واحدة من مئات قضايا "النزاع والشقاق" العالقة في المحاكم الشرعية في قطاع غزة وتنتظر البت فيها، لذا سلطت "الرسالة" الضوء على الحالات المتزايدة في المجتمع الغزي، ووقفت على أبرز المشاكل في طريق النساء عند ذهابهن للمحاكم، عدا عن الضرر النفسي الذي يقع عليهن.
ضعف شخصية الزوج
ووفق القانون، فإن قضية "النزاع والشقاق" هي دعوى قضائية ترفع أمام القضاء الشرعي ويترتب عليها التفريق بين الزوج وزوجته إذا ظل المدعي مصرا على دعواه بأن الطرف الآخر يسيء المعاملة معه ماديا ومعنويا ووصول الخلاف بينهما لدرجة أن تستحيل العشرة الزوجية.
وعند عجز رجال الإصلاح عن الحل يطلب المدعي سواء كان الزوج أو الزوجة من القاضي الشرعي أن يفرق بينهما بطلقة واحدة بائنة بينونة صغرى دفعا للضرر الحاصل من سوء المعاشرة.
وفي قطاع غزة، يعتمد القضاة على قانون حقوق العائلة رقم " 303" لسنة 1954، والذي تنص المادة "97" منه:" اذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالها يجوز لها أن تطلب من القاضي التفريق، وحينئذ يطلقها القاضي طلقة بائنة إذا ثبت الضرر وعجز عن الإصلاح بينهما، فإذا رفض الطلب ثم تكررت الشكوى ولم يثبت الضرر بعث القاضي حكمين وقضى على الوجه المبين بالمواد ( 98 إلى 102).
وفي حكاية وقعت لإحدى السيدات تراجعت عن قضية "النزاع" بعدما بقيت قضيتها معلقة مدة عامين، ما بين تعديلات يطلبها القاضي وأخرى مع محاميها الذي يطالبها بأتعابه.
تقول السيدة "أم ياسين" وهي تبلغ الاربعين من عمرها، بسبب عجزي عن دفع أتعاب المحامي، استغل الأخير ذلك وأخذ على عاتقه الدفاع عن زوجي بعدما اغراه بالمال، وفي ذات الوقت تخلى عني وبحوزته جملة من المعلومات عني.
قلة الموارد المالية لدي، جعلت زوجي يستغل ذلك وأدرك أن قضيتي ستكون خاسرة، وراح يضغط على حتى أعود لحياة الضنك معه "كما وصفت" لمعدة التحقيق، فاضطرت لذلك بعد تخلي المحامي ومن يدعمها في قضيتها للعودة لبيتها لتعتاش على المساعدات الاغاثية من المؤسسات، عدا عن أن زوجها هجرها وتزوج من أخرى.
وتحكي "أم ياسين" أنها عادت وهي تدرك طبيعة الحياة التي ستذهب إليها، كما أن فرص الزواج بالنسبة لها قليلة وذووها لن يتحملوها وأولادها، ناصحة جميع الفتيات ألا يتسرعن في الزواج وفي حال تعرضت احداهن للإهانة والضرب وبعدم الصمت والذهاب إلى الجهات المختصة لنيل حقوقها، خاصة في حال عدم انصاف الأهل بحجة "الستر" ووصمة الطلاق.
بدوره ذكر المحامي الشرعي فايز النحال، أن كثيرا من قضايا التفريق تصله، وقبل قبول القضية يوضح للسيدة العواقب وما ستحصل عليه أو تخسره، مشيرا إلى أن السيدة حينما تعي مصلحتها قد تمضي لأخذ حقوقها.
ويوضح "للرسالة نت" أن كل حالة تختلف عن الأخرى، ففي حال وجدت المرأة مصلحتها في اللجوء إلى القضاء الشرعي وكانت في سن صغير ويمكنها الزواج بدلا من طرق المحاكم الوعرة التي تأخذ سنوات طويلة يتم تقديم النصيحة لها بالحصول على الطلاق مع التنازل قليلا وحل القضية وديا، بينما من كبرت ولديها أبناء ولا معيل لها يدعم المحامون في حصولها على حقوقها التي نص عليها الشرع.
محامي: العجز الجنسي وضعف شخصية الزوج تدفع النساء إلى التفريق
ولفت النحال إلى وجود بعض المحامين الذين يستغلون حاجة السيدات اللواتي يردن رفع قضايا "التطليق" بالنصب عليهن ورسم قصور لهن في الهواء، لكن النهاية تكون سيئة وتبقى قضيتها معلقة في المحاكم لسنوات طويلة، وصلت سابقا لعشر سنوات.
وعن أبرز الأسباب التي تدفع النساء إلى اللجوء الى المحاكم ورفع قضايا النزاع والشقاق، يقول:" تدخل الأهل بين الزوجين أو ضعف شخصية الزوج تؤدي بالزوجة إلى مرحلة اليأس من استمرار الحياة الزوجية، بالإضافة إلى نسبة كبيرة من الأزواج الذين يخونون زوجاتهم عبر وسائل التكنولوجيا أو أرض الواقع وبعدها يريد الزوج أن تكون زوجته كما يشاهد عبر الانترنت".
ونوه النحال إلى أن هناك أسبابا اخرى قليلا ما تكشف عنها الزوجات وهي الضعف الجنسي لدى الزوج، فقد أصبحت المرأة أكثر جرأة في المطالبة بحقوقها الشرعية.
ودعا المحامي الشرعي الزوجات إلى التأني في رفع قضايا الشقاق كي لا تدمر العائلة بأكملها، إلى جانب عدم وقوعهن في مصيدة المحامين الذين يستغلون حاجتهن إلى الحرية بدلا من حياة التعنيف والاهانة.
الإساءة بين الزوجين
الحالات التي أنصتت إليها معدة التحقيق، نقلتها إلى رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي حسن الجوجو، حيث قال:" في الآونة الأخيرة كثرت قضايا النزاع والشقاق في المحاكم، وذلك بسبب الفتور الذي يحدث بين الزوجين لعدة اعتبارات منها تراجع مؤشر الالتزام الديني ووسائل التكنولوجيا الحديثة وسوء استخدامها".
ووفق الجوجو فإنه من حق الزوجة رفع قضية شقاق ونزاع اذا اضر بها الزوج قولا وعملا، واذا اثبتت دعواها وعجز القاضي عن الاصلاح يطلق القاضي طلقة بائنة دفعا للضرر، لكن اذا كانت مدخولا بها ولم تثبت الدعوة والقاضي رد الدعوة من حقها تجديد الدعوة بعد ستة شهور، تجدد لغير المدخول بها دون مدة زمنية.
وتابع:" في حال جددت الدعوة ولم يكن لها اثبات فإن القاضي يحولها إلى محكمين من أهلها وأهله"، مضيفا في الوقت ذاته أنه أصبح من حق الزوج رفع دعوى وفي حال أثبتت دعوته وعجزالقاضي عن الاصلاح يعطيه شهر لإصلاح ذات البين واذا انقضت المدة يحولها القاضي الى التحكيم، ويدخل الحكام الشرعيون لتحديد نسبة الاساءة بين الزوجين.
وبحسب الجوجو فإن المحاكم الشرعية بات لديها في الوقت الراهن دليل الحكم الشرعي للعمل به منذ بداية العام، حتى لا تخضع قضايا الشقاق والنزاع لمزاجية القاضي أو تلاعب المحامين.
ما يأتي في القانون الشرعي، تعتبره الكثير من النساء اللواتي يرفعن قضايا "التطليق" يسبب لهن الأذى النفسي لطول المدة التي ستنتظرها لتجديد الدعوة، وهنا يرد الجوجو" ما نقوم به هو تطبيق القانون الشرعي بما يتناسب مع ظروف الحالات".
القضاء الشرعي: لدينا دليل الحكم الشرعي للحد من مزاجية القاضي أو تلاعب المحامين
ويدعو خلال حديثه مؤسسات المجتمع المدني بتوعيه النساء بكيفية أخذ حقوقهن في حال لم يرق لهن طرق أبواب الارشاد الأسري التابع للمحاكم الشرعية والذي يقوم بدوره بعقد جلسات أسرية لحل القضايا بشكل ودي.
وبحسب الجوجو فإن الفقر والبطالة والحصار والظروف السياسية القاسية من الأسباب التي تدفع إلى ارتفاع معدلات الطلاق، داعيا مؤسسات الابحاث والدراسات الاستراتيجية لدراسة الأرقام وتحليلها للوقوف على الأسباب الحقيقية والعمل على علاجها من قبل الجهات المختصة، وكذلك وسائل الإعلام لبث التوعية للأزواج والمقبلين على الزواج للحفاظ على الامن المجتمعي.
والجدير ذكره أنه وفق احصائية اعدتها المحاكم الشرعية فإن نسبة 10% من اجمالي الدعاوى التي تصل للمحكمة الشرعية تكون من نساء معنفات معنويا كالهجر أو التعنيف بالكلام الجارح، وبمجرد وصول تلك الحالات إلى المحكمة يتم تحويلها إلى قسم الارشاد الاسري لتقديم النصائح والحلول لإرضاء الطرفين واصلاحهما رغم صعوبة الوصول الى قواسم مشتركة بينهما.
وعن الضرر النفسي الذي يلحق بالنساء العالقات في المحاكم تقول ايناس الخطيب الاختصاصية النفسية أن ما تمر به المرأة خلال محاولة الطلاق تعد امتحانا لقدرتها على الصبر والتحمل.
وأوضحت أن الضغوط النفسية التي تصاب بها المرأة قد تجعلها تأتي بتصرفات لم تكن تقوم بها كالصوت العالي وبعض الحركات اللاإرادية، عدا عن امكانية لجوئها للانطواء، لافتا إلى أن تلك التصرفات قد تختلف من شخص لآخر.
وأشارت الخطيب إلى أن بعض النساء يخشين تكرار تجربة الزواج وانشاء عائلة جديدة بعد المرة الأولى خوفا من الفشل مجددا، موضحة في الوقت ذاته أن كثيرا منهن يتنازلن عن كامل حقوقهن من أجل نيل الحرية، أو الرضا بأقل الحقوق وذلك بعد نفاد صبرهن.
الاساءة النفسية والتمييز
وجاء في دراسة أعدها مركز الأبحاث والاستشارات القانونية للمرأة بغزة حول "حق المرأة في الحصول على التفريق، أن هناك تمييزا واضحا يتنافى مع أحكام القانون الأساسي واتفاقية سيداو في اجراءات انهاء العلاقة الزوجية.
وأوضحت الدراسة أن تنظيم أحكام الطلاق من قبل الرجال يختلف في النصوص والإجراءات عن تنظيم أحكام التفريق.
دراسة: يحب تحديث القوانين لجسر الهوة بين إجراءات الطلاق والتفريق
وأشارت إلى أن تنظيم أحكام التفريق جاء في إطار حالات ضيقة حددها القانون على وجه الحصر، واستثنى منها حالات مهمة ومتطلبات هامة لاستمرار الحياة الزوجية، ولم يدمج حالات العقم والإساءة النفسية والكره والبغضاء ضمن حالات التفريق.
ولفتت الدراسة إلى أن من أهم العيوب التي تحول دون حصول الزوجة على قرار التفريق الاشتراط على الزوجة بأن تثبت الضرر أمام القاضي، ومن المتعذر عليها تقديم بيانات تثبت هذا الضرر من جانب، واشتراط الذهاب لمحكمين، وعادة ما يحتكمون للأعراف السائدة ولا يمتلكون الخبرة والمعرفة بحقوق المرأة القانونية والإنسانية.
أما بالنسبة لأهم ما يميز السمات الإجرائية للتفريق هو إطالة أمد التقاضي دون مبررات، خاصة في ظل إعلان رغبة المرأة بشكل صريح في إنهاء العلاقة الزوجية، بالإضافة إلى وجود جمود في التعاطي مع النصوص القانونية، ووجود العديد من المعيقات الإجرائية التي تواجه دعاوى التفريق.
ووفق الدراسة فإن التعميمات القضائية الصادرة لم تسهم خلال فترة الانقسام في تسهيل وتيسير وتوسيع خيارات النساء في دعاوى التفريق.
وطالبت بتوسيع نطاق الاجتهادات القضائية في قضايا التفريق حتى يتسنى وضع قانون جديد، وتحديث النصوص الحالية لجسر الهوة ما بين إجراءات الطلاق وإجراءات التفريق، إلى جانب
تكثيف دور المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في الرقابة والتفتيش عبر الدائرة المختصة بهذا الأمر مع إعطاء التعليمات وإصدار التعاميم التي تعمل على تقييد إطالة أمد التقاضي.
وبالنسبة للدور السلبي الذي يقوم به بعض المحامين، دعت الدراسة إلى تأسيس ناد للمحامين/ات الشرعيين /ات كجسم نقابي له دور في تقويم اعوجاج بعض التصرفات التي تتنافى مع مهنة المحاماة الشرعية.
ورغم غياب الاهتمام بالوجع الذي يقع على النساء اللواتي يذهبن للمحاكم الشرعية من أجل قضايا الشقاق والنزاع إلا أن هناك عددا كبيرا منهن لايزال يجهل هذا الطريق لنيل حقوقهن المشروعة، لذا لابد من توعيتهن عبر المؤسسات النسوية وتسهيل الإجراءات للوصول إلى العدالة، ووضع حد لكل من تسول له نفسه من المحامين استغلال النساء فيما يتعلق بقضايا التفريق.