ما أن هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أول أمس الخميس بفرض "عقوبات كبيرة على تركيا"، حتى توجهت الأنظار صوب مصير علاقات اقتصادية متجذرة بين البلدين، تبلغ 20 مليار دولار.
ترامب هدد بفرض هذه العقوبات في حال لم تفرج أنقرة عن القس الأمريكي أندرو برانسون، الذي يحاكم في تركيا بتهمة التجسس وارتكاب جرائم باسم منظمتي "غولن" و"بي كا كا" الإرهابيتين.
وحبست السلطات التركية برونسون في 9 ديسمبر / كانون الأول 2016 على ذمة محاكمته، ومراعاة لحالته الصحية حولت المحكمة التي تنظر قضيته حبسه إلى إقامة جبرية في ولاية إزمير (غرب).
لكن نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، ومن ورائه ترامب، هددا في اليوم نفسه بفرض عقوبات على تركيا في حال لم تفرج عن برانسون.
ووافقت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، الخميس، على مشروع قانون يقيد حصول تركيا على قروض من المؤسسات الدولية.
ولم يتأخر الرد التركي على تهديد كل من ترامب وبنس ومشروع قانون الشيوخ.
ففي اليوم نفسه، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إنه "لا يمكن لأحد أن يفرض إملاءاته على تركيا، ولا يمكننا التسامح تجاه أي تهديد. سيادة القانون تنطبق على الجميع دون استثناء".
بدوره، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن: "من غير الممكن القبول باللغة التهديدية المستخدمة في تصريحات الإدارة الأمريكية ضد بلدنا الحليف في ناتو (حلف شمال الأطلسي)".
علاقات متشعبة
هذه المواقف الأمريكية وجهت الأنظار تلقائيا نحو العلاقات التجارية والاقتصادية القائمة بين البلدين، التي يجازف بها ترامب عبر تهديده لتركيا.
ومثلت الولايات المتحدة العام الماضي خامس أكبر سوق للمنتجات التركية، إذ صدرت إليها أنقرة 5.5 بالمئة من إجمالي صادراتها.
وبدأ عجز ميزان التجارة الخارجية لتركيا مع الولايات المتحدة يتضاءل خلال آخر ثلاث سنوات.
ففي 2017، تراجع هذا العجز بنسبة 22.4 بالمئة مقارنة بـ 2016، واستقر عند حدود 3.3 مليارات دولار.
وزادت الصادرات التركية إلى الولايات المتحدة في 2017 بنسبة 30.7 بالمئة، مقارنة بعام 2016.
وبلغت القيمة الإجمالية لصادرات أنقرة إلى واشنطن العام الماضي 8.7 مليارات دولار.
فيما بلغت حصة المنتجات التركية المستهلكة في الأسواق الأمريكية في 2017، 0.4 بالمئة، في المرتبة 34، في حين تصدرت المنتجات الصينية بنسبة 22 بالمئة.
من جانب آخر، تراجعت واردات تركيا من الولايات المتحدة العام الماضي بنسبة 9.9 بالمئة مقارنة بـ 2016، واستقرت قيمتها عند 11.9 مليار دولار.
وبلغت نسبة صادرات الولايات المتحدة إلى تركيا في 2017، 0.6 بالمئة من إجمالي صادراتها إلى الخارج.
واحتلت الأسواق التركية المرتبة 28 بين الأسواق الأكثر استهلاكا للمنتجات الأمريكية.
وبالنظر إلى أرقام العام الحالي، ففي الأشهر الخمسة الأولى من 2018 بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 8.3 مليارات دولار.
وبلغت قيمة الصادرات التركية إلى الولايات المتحدة 3.2 مليارات دولار، فيما بلغت صادرات الولايات المتحدة إلى تركيا 5.1 مليارات دولار.
ويعد الحديد والصلب ومنتجات قطاع السيارات وقطع غيار السيارات من أبرز الصادرات التركية إلى الولايات المتحدة.
كما تعد منتجات قطاع النسيج والملابس الجاهزة والمنتجات الزراعية والمواد الغذائية من بين السلع المهمة التي تصدرها تركيا إلى الولايات المتحدة.
في المقابل، تعتبر منتجات قطاع الحديد والصلب، والمركبات الجوية، والمركبات الفضائية، والقطن، واليخوت، والفحم الحجري، والأدوية، من أهم المنتجات التي تستوردها تركيا من الولايات المتحدة.
استثمارات متبادلة
منذ بداية 2018 وحتى نهاية أبريل / نيسان الماضي، بلغ رأس المال الأمريكي الوافد إلى تركيا بغرض الاستثمار 120 مليون دولار، مقارنة بعشرين مليون دولار خلال الفترة نفسها من 2017.
وبلغت قيمة الاستثمارات الدولية في تركيا عبر الولايات المتحدة، بين عامي 2002 و2016، نحو 11 مليار دولار.
فيما لغت قيمة الاستثمارات التركية في الولايات المتحدة، خلال الفترة نفسها، 3.7 مليارات دولار.
منفعة متبادلة
حاليا، لا يوجد بين البلدين أي اتفاق تجارة حرة أو اتفاقات من طرف واحد، كاتفاقية التجارة التفضيلية أو اتفاقية رفع الضرائب الجمركية أو أي تفاهمات تجارية أخرى.
ويوصل المصدرون الأتراك المنتجات التركية إلى الأسواق الأمريكية عن طريق نظام التفضيلات المعممة.
وبإمكان الولايات المتحدة الوصول عبر تركيا إلى الأسواق الناشئة في دول الشرق الأوسط ووسط آسيا وشمالي إفريقيا.
كما أنه بإمكان تركيا الوصول، عبر الولايات المتحدة، إلى أسواق دول أمريكا اللاتينية وكندا.
ومجالات التعاون بين الشركات الأمريكية والتركية جاذبة للاهتمام بالنسبة إلى أسواق الشرق الأوسط وإفريقيا في قطاعات عديدة.
من هذه القطاعات: الطاقة المتجددة، والنقل، والبنية التحتية، والإنشاءات، والخدمات التمويلية، والخدمات التقنية، والموارد الطبيعية والتعدين، والتعليم، والخدمات الصحية، وإنشاء المراكز اللوجستية، والتوزيع.
إضافة إلى مجالات: الأفلام والتسلية، والكيماويات، والأدوية، وصناعات المعادن، والبلاستيك، والمواد الاستهلاكية، والزراعة، وقطاع السيارات.
بالحوار وليس التهديد
من شأن التهديدات الأمريكية لأنقرة أن تضر بالعلاقات الاقتصادية والتجارية المميزة مع تركيا.
وقال رئيس مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية، رئيس مجلس العمل التركي الأمريكي محمد علي يالتشين داغ، إن "العالم يمر بمرحلة الكل فيها بحاجة الكل".
وأضاف يالتشين في تصريح للأناضول، أن "الدول المتحالفة والصديقة يجب أن تحل المشاكل بينها دون فرض عقوبات على بعضها".
وحذر من أن "العقوبات ستولد في نفوس الشعب التركي عداء تجاه الولايات المتحدة، لذا فالمشاكل يجب أن تحل بالحوار، وليس بالتهديد".
وختم بالتشديد على "ضرورة بقاء قنوات الاتصال (بين البلدين) مفتوحة، والابتعاد عن التصريحات التي لا يمكن الرجوع عنها".