"ليش بابا ما يروح بدي أشوفه"، عبارة يرددها بإلحاح الطفل بكر ذو الأربعة أعوام نجل المختطف عبد الكريم أبو حبل، ويتكرر صداها بين جدران منزله الجديد الذي أقام فيه بمعزل عن والده المُغيب قسرا في زنازين السجون النمساوية.
ولم يمل الآخر "عمر" والذي يصغر شقيقه "بكر" بثلاثة أعوام من الوقوف أمام صورة والده المعلقة على جدار صالة المنزل؛ مؤشرا بإبهام يده وينطق لسانه المتلعثم " ببببا ببببا" في إشارة إلى أبيه الذي لم يره منذ أن وُلدَ إلا في صور!
هي حكاية ألم يتجدد كل يوم ومعاناة تتجرعها عائلة " أبو حبل" من سكان مخيم جباليا شمال قطاع غزة، والتي اختطفت السلطات النمساوية ابنها بعد أن وصل للنمسا مطلع عام 2016 محاولاً الإقامة فيها والبحث عن عمل، ليجري اعتقاله بعد أشهر قليلة بتهمة تخطيطه لهجمات ضد (إسرائيل)، انطلاقًا من أراضيها، وتتم محاكمته بالسجن المؤبد.
ومن عتمة سجن "جوزيف شتاد" المظلم بالعاصمة النمساوية فيينا، نقلت السلطات النمساوية المختطف "عبد الكريم" إلى العزل الانفرادي في سجن "قاستن" قبل شهر لُيكمل باقي سنوات حبسه دون إبداء أي أسباب لعزله؛ رغم ما يعانيه من ظروف صعبة وقاسية في السجن.
وعلى مدار عام كامل من الاختفاء لم تتلقَ أم بكر سوى رسالة خطية من زوجها يقول فيها "أسطر هذه الرسالة والقلب يتسارع فيه دقاته والأنفاس محبوسة، يجابهني الضيق والعدوان خلف هذه القضبان التي كنا نسمع عنها وعن قضائها فيحضر في أخلادنا الحرية والإنسانية، على خلاف الطغيان من جميع الأركان في جميع سجون الاحتلال التي مكثت فيها عقدا من الزمن".
وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد اعتقلت أبو حبل عام 2004، وأفرجت عنه في عام 2013 عقب 9 سنوات قضاها متنقلاً في عدة سجون للاحتلال.
ويتابع في رسالته: "أما اليوم بعدما ابتلانا الله سبحانه وتعالى بهذه السجون الظالم أهلها نشهدها شهادة القرب فإذا هي جحيم مسجور، لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، ينكلون في العبد الأسير أشد التنكيل ومن ثم يدعون أن التعذيب والتنكيل ليس دينًا لهم، فهم على غرار محاكم التفتيش لدى الاحتلال".
وأضاف في رسالته "لم يكتفوا بهذا فحسب بل قاموا بخسة ليس لها نظير، وبصفاقة وجه لا يعرف.. حكموا علينا غيبا وظلما وعدوانا بالمؤبد مدى الحياة في سبيل إرضاء، أبناء اليهود من خلف البحار...".
وبعد عام كامل من الاختفاء ومنع المختطف "عبد الكريم" من التواصل مع عائلته وذويه، بدأت زوجته سائدة بتلقي أولى مكالماته التي لا تتجاوز بضعة دقائق، وباتت مستمرة حتى كتابة هذا النص مكالمة أسبوعيا، لتُسكنّ تلك الدقائق "قليلا من ألم الغياب"، على حد قولها لـ"الرسالة".
ويعاني المختطف أبو حبل من ظروف اعتقال قاسية حيث يُحرم من حقوقه ويجبر على شراء الطعام وباقي مقتنياته على حسابه الشخصي، إلى جانب منعه من الزيارة أو إدخال له أي شيء، وفق ما تضيف زوجته.
وتشكو الزوجة من غياب أي اهتمام أو تواصل من قبل السلطة الفلسطينية ووزارة خارجيتها أو حتى هيئة الأسرى في قضية زوجها، وتتمنى بتنهديه يملأها الوجع الافراج عن زوجها في أقرب وقت وإنهاء هذه المعاناة.