لم تمثل حادثة إقصاء رئيس السلطة الفلسطينية وحركة فتح محمود عباس لعيسى قراقع من منصبه كرئيس لهيئة شؤون الأسرى عقب انتقاده قطع رواتب الأسرى في سجون الاحتلال إلا مشهدا جديدا في مسلسل الإقصاء الذي تتبعه الحركة منذ عقود، وزادت حدته مع تولي عباس القيادة عام 2005.
حادثة قراقع الأخيرة تزامنت مع سحب دائرة شؤون المغتربين من الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين بعد عقود من توليها لهذه المهمة في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وهذا ما علق عليه عضو المكتب السياسي للجبهة تيسير خالد وهو الذي كان مسؤولا عن الدائرة في المنظمة بقوله: " القرار يعطي مؤشرات سلبية للغاية على طبيعة العمل في مؤسسات المنظمة والنظام السياسي الفلسطيني بشكل عام، حيث تسود نزعة الانفراد والتفرد في اتخاذ القرارات".
ويضاف إلى هاتين الحادثتين، عزل زياد أبو عمرو عن منصبه كنائب لرئيس حكومة رامي الحمد الله، رغم سعي أبو عمرو على مدار السنوات الماضية إثبات صدق ولائه لعباس، ومرافقته في العشرات من اللقاءات والزيارات الخارجية، إلا أن ذلك لم يشفع له امام سكينة الإقصاء التي يرفعها عباس في وجه الجميع.
وبدأ مسلسل الإقصاء بعد أشهر قليلة من توليه رئاسة السلطة وذلك من خلال تعامله مع حركة حماس عقب تشكيله الحكومة التي جاءت إثر حصولها على الأغلبية في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، حيث شجع المجتمع الدولي على عدم التعامل مع الحكومة الوليدة، والذهاب في اتجاه الفوضى الخلاقة في قطاع غزة.
وانتهت تلك السياسة بأحداث 14 يونيو 2007، بل استمرت سياسته الإقصائية بحق الحركة على مدار سنوات الانقسام، والتي ظهرت في شتى المواقف السياسية واللقاءات الوطنية، فيما ظهرت مجددا خلال المصالحة الفلسطينية الأخيرة، نهاية العام الماضي، من خلال إجبار الحركة على تسليم المعابر بدون وجود أي موظف فيها، وكان يراد لهذا السيناريو أن يتم في بقية الوزارات لولا تعطل المصالحة مجددا.
وتطول قائمة الإقصاء بحق الشخصيات الوطنية وعلى سبيل المثال لا الحصر، ما فعله مع وزير العدل في حكومة التوافق سليم السقا، حينما تم إقالته بسبب توجيهه مخاطبة للسلطات المصرية حول مصير الشبان الأربعة المختطفين منذ عامين تقريبا، وكذا الحال مع وزيرة التربية والتعليم خولة الشخشير التي أجبرت على الاستقالة بعد اعتراضها على عمل الحكومة، وجاء في بيان استقالتها: "بكل مرارة وألم أقدم استقالتي من العمل بالحكومة التي لم تتمكن من القيام بمهامها على مدار نصف عام لأن قرارا سياسيا يقف عقبة وعصا في دولاب الوفاق الوطني".
ولم يكتفِ أبو مازن بالتعامل مع سياسة الإقصاء على من هم خارج التنظيم، بل أشهر سلاح الإقصاء داخل الحركة على مدار السنين الماضية، حتى طالت عشرات الكوادر في التنظيم، كان أبرزهم محمد دحلان حيث قررت اللجنة المركزية لحركة حركة فتح في 12 تشرين أول / يونيو 2011 فصله وانهاء أي علاقة رسمية له بالحركة عقب سنوات من العداء بينه وبين محمود عباس.
كما قررت احالته إلى القضاء فيما يخص القضايا الجنائية والمالية، وفى 17/ نوفمبر /2015 أكدت اللجنة المركزية لحركة فتح أن قرار فصل محمد دحلان من الحركة نهائي ومحسوم، جاء ذلك بعد نحو أسبوع مما نشرته تقارير صحفية مصرية أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يقود جهودا لرأب الصدع داخل حركة فتح واجراء مصالحة بين دحلان وعباس.
وبعد هذا الخلاف، قام دحلان بتأسيس تيار الإصلاح الديمقراطي والذي على إثره فصل أبو مازن العشرات من كوادر الحركة لوقوفهم إلى جوار دحلان صاحب الشعبية داخل التنظيم في غالبية مناطق تواجده، وشمل الفصل عددا من نواب المجلس التشريعي، وأسرى محررين.
كما ضيق أبو مازن على مدار السنوات الثلاث الماضية على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بسبب مواقفها القوية في مواجهة سياسات الرجل الخاطئة، والتي أضرت بالقضية الفلسطينية، وخصوصا التي تتعلق بالشأن الداخلي، إلى أن أصبحت الجبهة خارج إطار قيادة منظمة التحرير للمرة الأولى، بسبب رفضها المشاركة في المجلس الوطني الذي أصر عباس على عقده في رام الله رغم اعتراض غالبية الفصائل كحماس والجهاد بالإضافة للجبهة الشعبية وغيرها.
ولم تسلم حركة الجهاد الإسلامي من ذات السياسة، من خلال اعتقال العشرات من كوادرها خلال السنوات الماضية، والتضييق على حرية عمل الحركة في الضفة، ومعاملتها أسوةً بحركة حماس، دون مراعاة وقوف حركة الجهاد في جهة حل الأزمة الفلسطينية الراهنة من خلال التوسط بين الأطراف المعنية للعودة إلى الوحدة الوطنية.
كما طالت سياسة الإقصاء كلا من ياسر عبد ربه، من منصبه كمشرف عام على الإعلام الرسمي الحكومي بعد تصاعد الخلافات بين عباس وعبد ربه، خاصة بعد امتناع الأخير عن المشاركة ضمن وفد تسليم رسالة أبو مازن السياسية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما أقال سامي صرصور من رئاسة مجلس القضاء الأعلى بعد وقوع سجال بينه وبين عضو مركزية فتح توفيق الطيراوي.
ووسط كل هذا الإقصاء، بات عباس عاريا من الناحية الوطنية، بعد ان باعد بينه وبين الفصائل الفلسطينية والشخصيات الوطنية الوازنة التي من شأنها إظهاره بصورة قوية في مواجهة مشاريع تصفية القضية الفلسطينية، بينما يكتفي ببطانة السوء سياسيا، والتي تتهامس بينها في اليوم الذي يلي رحيل عباس عن الكرسي، للظفر بخلافته.