لحظات الانتظار التي كانت يترقبها محمد خماش لينقل زوجته إلى المستشفى ويفرح باستقبال مولوده الجديد، انقلبت إلى لحظات من الحزن بعد نقله وعائلته إلى المستشفى، فهو مصاب بحالة خطيرة، أما زوجته وجنينها وطفلته باتوا في عداد الشهداء، بعد أن قصفت طائرات الاحتلال منزلهم لتبدد أحلامهم بالفرح.
في منزلهم المتواضع بمنطقة "الجعفراوي" وسط قطاع غزة، والذي حوى بين جنباته أجمل أيام حياتهم، وبعض الألعاب البسيطة التي كانت تلهو بها طفلتهم بيان والتي لم تنهِ العامين من عمرها، نامت هذه العائلة ليلتها وهي تحلم أن تستيقظ على مستقبل أجمل، يهبه لهم طفلهم الجديد والذين كانوا في انتظاره على أحر من الجمر.
الزوجة والأم إيناس ابنة الثلاثة والعشرين ربيعاً لم تكن تحلم سوى أن يبقى شمل هذه العائلة مجتمعاً في سعادة وفرح، وصرحت عن ذلك بكتابتها على الفيس بوك بقولها لابنتها بيان: "كوني بقربي دائماً خففي من ضجيج الحياة بصوتك أخبريني أنه لاشيء سيّء بالقرب مني"، فكانت طفلتها البارة بها ورافقتها في الحياة وفي الاستشهاد.
أما بيان ذات العام ونصف، والتي لربما بالكاد كانت تنادي بابا أو ماما، لم تعرف أن هذه الأرض تضيق ذرعا بأحلامها، وأن هذا العالم يزعجه صوت ضحكاتها وهي تلاطف أمها، أو حين تلهي نفسها وتمرح بألعابها، وأقصى أحلام والديها أن تعيش كأي طفلة في هذا العالم، لكن قدرها أن تعيش على أرض السلام التي لم تر يوماً سلاما.
فقد صبت طائرات الاحتلال الحربية حممها الحاقدة على هذا المنزل، لتقلب الأحلام إلى كوابيس، ولحظات الفرح وانتظار المولود الجديد إلى مواجع ومآسٍ وحزن بوداع الأحبة، فقد حولت صواريخ الاحتلال أجساد إيناس وبيان إلى أشلاء متناثرة هنا وهناك، وحول البيت الجميل بماضيه الجميل إلى خربةٍ غير صالحة للسكن.
أما محمد الزوج والأب وصل المستشفى بعد القصف بجراح خطيرة، ولا يزال يرقد فيها ليتماثل للشفاء، وحتى هذه اللحظة لا يعلم ما حل ببيته ولا بأسرته بفعل الحقد الإسرائيلي، وكلما سأل عنهم حاولت العائلة طمأنته عليهم، ليبقى السؤال من يخبر محمد باستشهادهم؟