في منزل الفتى أحمد العايدي أحسب أن عضلات وجوههم لم تعد تقوى على الابتسام وذلك لأن رحيل الابن البكر ورجل البيت الثاني دمّر طبقات الأمل في أسرة مكونة من والدين وتسعة أبناء.
أحزان والدي العايدي طازجة فهم حين يتفقدون أبناءهم، يحصون كل شيء موجود إلا هو! أحاديثه الصباحية، جلسته في حديقة المنزل وحتى دهن أصابعه لا يزال على جذع شجرة الزيتون التي أحب الجلوس تحتها يذكر أسرته بطيفه المحلّق.
وكان العايدي (17) عامًا قد أصيب في اليوم الاول لمسيرة العودة برصاصة في الرأس عندما كان على مسافة تزيد عن نص كيلو من السلك الفاصل شرق مخيم البريج قرب خيام مسيرة العودة ما أدى لتلف جزء من دماغه ودخوله غيبوبة حتى استشهد قبل ثلاثة أيام.
رحل العايدي بعد أسابيع من المعاناة في المستشفيات الفلسطينية وتدرجت حالته بالتدهور والتحسن حتى أصابته انتكاسة حادّة قبل أيام أدت لاستشهاده.
لا يزال السيّد جهاد العايدي والد الفتى أحمد يستقبل المعزين من زملاء العمل والأقارب والأصدقاء معبراً عن غضبه من وقوع مزيد من الضحايا في غزة كان آخرهم ابنه البكر.
يقول: "أصيب ابني برصاصة قاتلة في رأسه وعشنا فترة علاج طويلة فيها كثير من المحطات السيئة حتى استشهد بنقص الأكسجين في الدم قبل أيام في مشفى الشفاء".
مكث أيام في قسم العناية بمستشفى الأقصى وهو في غيبوبة ثم نقل للمستشفى الاستشاري العربي برام الله حيث استخرج الأطباء الرصاصة من رأسه نهاية إبريل.
ويتابع: "ابني فتى صغير ولكنه رجل البيت وكل ساعة أكتشف كم كان قويّاً في عزيمته وذكياً في علاقته وإدراكه لأمور الحياة بعلاقاته من الجيران والمعارف".
يستهجن العايدي من التحوّل المفاجئ الذي عاشه ابنه أحمد فقد عاد تنفسه بشكل جيد ولكن حالته في مستشفيات غزة دخلت لمرحلة سيئة تنقل فيها بين قسم الاستقبال والباطنة وحدثت انتكاسة مستغربة أدت لوفاته-كما يقول.
عندما زارته "الرسالة" في قسم العناية المركزة بمستشفى شهداء الأقصى بعد إصابته بيومين كانت والدته قد بدأت تحاول التكيّف مع حالة ابنها الصحيّة مجتهدةً في البحث عن حل وقد ازعجها ما نشر بالخطأ في الإعلام عن استشهاده في الجمعة الأولى.
تقبض الأم على حزمة من الاوراق هي ملخص رحلته الطبية وتقارير مستشفيات الضفة وغزة غاضبةً من عدم تلقيه العلاج المناسب وتدهور حالته بعد عودته من المستشفى الاستشاري العربي برام الله حتى فارق الحياة.
وكان العايدي قد عانى من تلوث الجرح في رأسه والتهاب سحايا والتهاب بكتيري وقد تحسنت حالته في مستشفيات الضفة جزئيا، قبل أن تحدث له انتكاسة وتوفي متأثرا بجراحه.
وتضيف: "أطالب بمعرفة كيف تدهورت حالته الصحيّة بعد أن عدت به من مستشفيات الضفة وأريد معرفة كيف تدهورت حالته حتى عانى من نقص أكسجين من نهاية تموز إلى استشهاده قبل أيام.
أكثر من تأثر لرحيله صديقه إبراهيم النجار فقد تصادقا قبل سبع سنوات وتوثقت علاقتهما قبل أربع سنوات تلازما فيها حتى في المقعد الدراسي بالمدرسة الثانوية وتفرقا فقط لحظة الإصابة.
كان إبراهيم يمسك براحة أحمد عندما اتفقا على تأدية صلاة الجمعة في ساحة مسيرة العودة لكن عبارة أحمد انقطعت من منتصفها وسقطت راحته من راحة صديقه بشكل مفاجئ.
يقول إبراهيم: "كنا على مسافة تزيد عن نصف كيلو من الحدود وعندما اقترب موعد أذان الجمعة قال لي ماذا سنفعل؟ قلت له سنصلي الجمعة أولاً وقال عبارة - والله يا إبراهيم- لكنه لم يكمل الكلمة وتفاجأت بسقوط يده وصمته وتنبهت لوقوعه على الأرض".
تفاجأ إبراهيم بما حدث دون أن يلاحظ الدماء تنزف من رأسه، فنادى عليه ولم يجد رداً وصار يستغيث حتى وصلت عربة إسعاف ونقلته للمستشفى.
لازم إبراهيم المستشفى طوال شهور الإصابة وتتبع حالة صديقه العزيز الذي افتقده في المقعد الدراسي المجاور وعجز عن التكيف والدراسة في الصفّ من غيره.
ويتابع: "بعد شهور من ترددي عليه في المستشفى وسنوات من الصداقة منذ الطفولة تلقيت قبل أيام نبأ استشهاده وبقيت مصدوماً وتخيلت كيف سأعيش من غير صديقي أحمد؟ وما الذنب الذي ارتكبه ليقتل هكذا؟ ".
وشيّع سكان قرية الزوايدة قبل ثلاثة أيام جثمان الشهيد الفتى أحمد العايدي الذي أحبه كل من عرفه وتحدث إليه وتلمّس في شخصه رجولة مبكرة ترك معها ذكرى طيبّة في قرية الزوايدة ومدرسة الثانوية التي غادرها مبكراً.