اعتادت الإدارة الأمريكية على استدعاء ملف مساعدتها للسلطة الفلسطينية كلما دعت الحاجة، بهدف ابتزازها سياسيا، خاصة وان تلك المساعدات غالبا ما اقترنت باشتراطات ارتبطت بملف المفاوضات.
سياسة التهديد العلني للدول باتت من أساسيات التعامل لدى الإدارة الأمريكية ورئيسها دونالد ترمب والذي استخدمها في عدة مواقف مؤخرا وهي بحسب سياسيين تعزيزا للبلطجة والهيمنة الأمريكية.
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أعلنت الجمعة الماضية أنها ستخفض أكثر من 200 مليون دولار من المساعدات للفلسطينيين وذلك وسط تدهور العلاقة مع القيادة الفلسطينية.
وقال مسؤول كبير بالوزارة دون ذكر تفاصيل، إن هذا الأموال التي كانت مقررة أصلا لبرامج في الضفة الغربية وغزة، وستخصص "لمشروعات ذات أولوية قصوى في مناطق أخرى".
وأضاف المسؤول في بيان "قمنا بمراجعة للمساعدة الأمريكية للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة لضمان أن هذه الأموال تنفق بما يتسق مع المصالح القومية الأمريكية وتوفير قيمة لدافع الضرائب الأمريكي".
لا تحمل تأثيرا حقيقيا
وبلُغة الأرقام فإن السلطة الفلسطينية تعتمد على ثلاثة مصادر لتمويل نفقاتها؛ أولها الضرائب المحلية بأنواعها المختلفة (وتشمل بالأساس ضريبة الدخل، وضريبة القيمة المضافة، وضريبة الملكية)، وتشكل حوالي 25 في المئة من الإيرادات الكلية للسلطة.
في حين أن المصدر الثاني لتمويل الموازنة هي إيرادات المقاصة، وهي الضرائب على الواردات السلعية التي تحولها (إسرائيل) شهريا للسلطة، وفقا لبروتوكول باريس الاقتصادي الموقع بينهما سنة 1994، وتشكل حصيلتها النقدية حوالي 50 في المئة من الإيرادات الكلية للسلطة
أما المصدر الثالث لتمويل الموازنة، فهي المساعدات الخارجية، وتشكل نحو 25 في المئة من تمويل الموازنة.
وتعاني السلطة الفلسطينية من تراجع حاد في قيمة المساعدات الخارجية الممنوحة لها في السنوات الأخيرة، حيث لم تتخطّ قيمة المنح والمساعدات الخارجية لهذا العام حاجز 450 مليون دولار مقارنة بـ 1.2 مليار دولار لعام2012، وهو ما تسبب في رفع فاتورة الدين العام للسلطة، ليتخطى حاجز 4.8 مليار دولار، وفق بيانات وزارة المالية.
وبحسب تقارير سابقة لوزارة المالية الفلسطينية، فقد "بلغت قيمة مساعدات الولايات المتحدة الأمريكية للسلطة الفلسطينية منذ عام 1994، ما قيمته 4.9 مليار دولار، بمتوسط نصف مليار دولار سنويا، لكن عام 2014 شهد وصول ما قيمته 100 مليون دولار فقط، وعام 2015 ما قيمته 35 مليون دولار، في حين حتى منتصف العام 2016 تلقت السلطة 15.5 مليون دولار أمريكي فقط.
بدوره، أكد الدكتور سمير عبد الله مدير معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني "ماس"، أن الأموال الأمريكية مقطوعة رسمياً عن ميزانية السلطة منذ عام 2011م، مشيرا إلى أن أوباما أفرج عن 200 مليون دولار من الأموال المحجوزة ومن ثم ترمب قطعها.
وأوضح أن الإدارة الأمريكية تقصر دعمها على المشاريع التي أوقفت الكثير منها وما بقي لا يذكر ويقدر منذ عام 2011 بــ100 مليون دولار غالبيتها تعود للشركات الأمريكية.
ويعتبر عبد الله أن الابتزاز قائم منذ زمن لذا لن يؤثر وقف الدعم الأمريكي لا على التنمية ولا الاقتصاد الفلسطيني، مشيرا إلى إمكانية وصول مبالغ للأمن لكنها غير معلنة.
وفي ذات السياق يؤكد الدكتور عمر شعبان مدير مؤسسة بال ثينك للدراسات الاستراتيجية أن الإدارة الأمريكية لا تساهم مباشرة في دعم موازنة السلطة الفلسطينية، مشيرا إلى أن الإدارة الأمريكية اتخذت قرارها بتجميد هذه الاموال في ديسمبر الماضي مع قرار تخفيض دعمها لموازنة الاونروا، لذا فهو ليس بجديد.
وبحسب شعبان فإن المساعدات الأمريكية يتم صرفها من خلال المؤسسات والشركات الأميركية العاملة في الأراضي الفلسطينية مثل USAID وغيرها، لذا لن تتأثر موازنة السلطة الفلسطينية بشكل فوري بهذا القرار لأنها لم تكن ضمن المستفيدين المباشرين منها.
ويبين أن تأثير القرار الأمريكي بالتجميد ظهر منذ عدة شهور مع صدور قرار التجميد حيث قامت العديد من المؤسسات الأمريكية بإنهاء عقود عمل معظم موظفيها المحليين وأوقفت العديد من الشراكات مع المؤسسات الأهلية وبعض برامج المساعدات الإنسانية وتوزيع الطرود وبرامج التشغيل.
ومن الجدير بالذكر أن المساعدات الأمريكية التي يهدد ترمب بقطعها عن السلطة تقدر بــ 50 مليون دولار سنويًا للأجهزة الأمنية.
ابتزاز سياسي
وعلى عكس ما يظن الكثير من الناس، فإن رواتب السلطة والمصروفات الجارية، لا تأتي من المساعدات الأمريكية والأوروبية، فمعظمها من الضرائب التي تفرض على المواطن الفلسطيني، وقسم بسيط منها مساعدات من السعودية والجزائر تحديدًا.
وعلى الصعيد السياسي تهدف تهديدات ترمب بحسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الدكتور عثمان عثمان إلى ابتزاز السلطة، مشيرا إلى أنها عملية بلطجة وعدوان.
ويضيف "الغريب أن الإدارة الأمريكية باتت تستخدم هذه السياسة بشكل سافر وصريح"، موضحا أن سياسة البزنس التي يتصرف وفقها ترمب قد تكون نافعة بسبب أثرها العكسي على مكانة أمريكا وتواجدها في العالم العربي والكثير من الملفات الفيصلية التي تحملها.
ويعتبر عثمان أنه، من الضروري أن تستغل السلطة التهديد للبحث عن بدائل أخرى وإدارة الظهر لأمريكا لأنها لا يمكن ألا تستغني عن نفوذها في القضية الفلسطينية لأن ترمب سيُحمل مسؤولية أي تراجع للدور الأمريكي من قبل الطاقم الكونغرس خاصة بعد المتاعب التي تسبب بها في العراق وسوريا واليمن بسبب عقليته وسياسته.
واستبعد عثمان أن توافق السلطة على إملاءاته بسبب بضع المئات من الدولارات، مشيرا إلى ضرورة أن تدفع الأحداث السلطة للتوافق والوحدة خاصة بعد إدراكها أن أمريكا لم تعد وسيطا نزيها.