لم يكن سهلًا على رفيقة "الحلوة والمرة" أن تقف بجوار زوجها تسمع أنينه دون علاج، كانت تعبر عن وجعها هي الأخرى، تبكي تارة، تمسك بطرف ثوب الممرضة مستغيثة، تسأل المار والزوار عن موعد توفير جرعة الكيماوي المقبلة علهم يعلمون، جل همها ألا تسمع أنينه فينفطر قلبها مرة واحدة!
عاجزة أمامه، تجلس على طرف سريره في مستشفى عبد العزيز الرنتيسي بقسم الأورام السرطانية تتكور وحزنها معًا، يزداد خوفها وقلقها بازدياد صفرة وجهه ورعشة يديه وهو يشير الى كوب ماء استقر على الطاولة بجوار رأسه.
"أنا أم فهد حمد زوجي معاه سرطان رئة" كان هذا التعريف المناسب عن نفسها بالنسبة لها، تكمل بالتعريف عن تمرد زوجها على الخبيث، وتمردها هي بعد منع الاحتلال الإسرائيلي لها بمرافقة زوجها أول مرة للسفر لتلقي العلاج الاشعاعي في مستشفيات الداخل المحتل.
بين الحياة والموت!
تحسن وقتي على حالة زوجها بعد جلسات الاشعاعي، سرعان ما ازداد أمره سوءًا مما جعله بحاجة لعلاج جرعات الكيماوي في غزة، وتعلق زوجته:" بعد عدة فحوصات كان آخرها تصوير مقطعي "سي تي" تبين أن زوجي بحاجة لجلسات كيماوي".
تدرك أم فهد أن المصاب بالسرطان شفاؤه الدعاء لله وجرعات العلاج الكيماوي المنتظمة، لم تتمالك نفسها وهي تناشد وزارة الصحة بتوفير العلاج لزوجها:" في أقرب وقت بنطالبهم يوفروا العلاج، زوجي بين الحياة والموت".
لم تكتف السيدة أم فهد بصيغة المناشدة السابقة، كانت ممتعضة من ردة فعل طبيب المشفى الذي أخبرها بأنه ليس بيده الأمر، كانت تردد فقط أن العلاج حق مشروع لكل مريض، فكيف بمريض السرطان الذي ينهش المرض جسده تدريجيًا.
زوجها الذي ظل ساكنًا مكانه لا يحرك سوى رمش عينيه، ويئن بين الحين والآخر لا يتجاوز جدران الغرفة، تشير له زوجته وتؤكد بأن الورم يزداد حجمه حين يتوقف الكيماوي، تخشى عليه انتكاسة صحية جديدة، كما انتكاسة قلبها هي الذي اكتوى حزنًا على رفيقها المرهق منذ سنوات!
"أنا بحكي لأي انسان أو أي بلد يدعموا غزة، أهم اشي العلاج، أهم اشي يفتحوا المعبر" لم تتوقف أم فهد بإيصال وجعها كمرافقة مريض يعاني ويتألم دون علاج وخدمات صحية وعلاجية في قطاع غزة المحاصر منذ اثني عشر عامًا.
وجهت نظرها لعدسة الكاميرا أكثر، آمنت بأن الرسالة الأخيرة بحاجة أن تصل بشكل خاص "بنطلب من سلطة حماس ومن سلطة فتح توفر العلاج لمرضاهم" ثوان قليلة مسحت فيها دمعتها التي حاولت أن تخفيها طيلة اللقاء عن زوجها، تابعت على إثرها بصلابة ثم قالت مقرة:" إلى مش قادر يحمي المرضى من شعبه ما بيلزمش".