في عام 2005 وقبيل اجراء الانتخابات التشريعية في قطاع غزة، جرى تعيين عشرات الالاف من ابناء وكوادر حركة فتح ضمن الاجهزة الامنية فيما سمّي آنذاك بتفريغات 2005، ثم استكملت عملية التعيين عام 2007؛ ليتم تعيين المزيد من المواطنين ضمن هذه التفريغات.
لا يوجد رقم دقيق لمن تم استيعابهم خلال تلك الفترة وفق مسؤولين في الملف، لكنّ وفقًا لتقديراتهم المبدئية فإن ما يزيد عن 18 ألف عنصر من حركة فتح وتشكيلاتها العسكرية تم استيعابهم في هذه التفريغات التي أشرف عليها آنذاك مسؤول الامن الفلسطيني في قطاع غزة محمد دحلان.
وبحسب المصادر التي تحدثت معها "الرسالة" فإن البعض جرى تفريغه وآخرون وضعوا على لوائح الوعود بالتفريغ الى ان جرت احداث 2007، ليجد العشرات من الشبان أنفسهم خارج عملية الاستيعاب، باستثناء من اصيب او قتل من الاحداث جرى استيعابه من ملف تعيينات 2005 ليجري تعيينه في السلك المالي للسلطة الفلسطينية.
خبير مالي: تم ادراج تفريغات 2005 على موازنة الشؤون الاجتماعية بدلا من الداخلية
ورغم مرور عقد على ملف تفريغات 2005 إلا أن الملف بقي كصندوق اسود مقفل من الناحية المالية، فيما يقول بعض المسؤولين عن الملف أن القضية برمتها جمّدت بقرار سياسي من رئيس السلطة محمود عباس، اشتباهًا منه أن هذا الموضوع مرتبط بمحمد دحلان كونه من أشرف على عملية التفريغات آنذاك.
وتمثلت عملية الاستيعاب بحسب المسؤولين عن الملف، في استيعاب الاجهزة الامنية العسكرية لفتح بعد حلها، بالأجهزة الامنية، وهي عملية انيط تنفيذها اساسًا بقيادة فتح في غزة آنذاك سامي ابو سمهدانة وماجد ابو شمالة وسمير المشهراوي، وهم الان من قيادة تيار دحلان، الغريم السياسي لرئيس السلطة.
ضحايا صراع دحلان عباس
وتقول مصادر امنية في السلطة لـ"الرسالة" إن عملية التفريغ خرجت عن الاطار المتفق عليه وجرى الالتفاف عليه من خلال تشكيل اجهزة واذرع جديدة لم تكن من قبل واستيعاب عناصر لم تكن مطلوبة، ما حدا برئيس السلطة محمود عباس لتجميد اجراءات الضم لسلك السلطة واشترط ان يتم تعيين المطلوبين فقط، وهو ما خالفه محمد دحلان.
وبين عباس ودحلان وجد اصحاب الملف أنفسهم خارج اطار التعيين الرسمي، لتكتشف "الرسالة" من مصادر أمنية ومالية في رام الله أن الملف برمته محسوب في موازنة السلطة المالية على بند الشؤون الاجتماعية.
وخلال السنوات الماضية نقص العدد ليصل تقريبا لحوالي 11 ألف عنصر في تفريغات 2005م، جراء وفاة بعضهم او استقالته او انتقاله للعمل في الحكومات المتلاحقة لفتح، لكنّها ليست الحكاية الكاملة فهناك ايضا من جرى رفع اسمه وشطبه من الملف وتثبيته في وزارات أخرى وفقًا لما تتبعته الرسالة.
مجددًا يبرز اسم محمود الهباش مستشار عباس للشؤون الدينية، على رأس هرم شبهات الفساد، عندما تمكن من سحب شقيق زوجته ويدعى محمد بارود من تعيينات الشرطة البحرية 2005 للعمل كمدير للعلاقات العامة في وزارة الاوقاف ثم مسؤول للشؤون الخارجية في الوزارة.
شخص آخر يدعى "ن.ج" من تفريغات 2005م في مخيم البريج وسط غزة، نجح من خلال وساطات تنظيمية عديدة للانتقال من الملف لجهاز الدفاع المدني، اضافة لثلاثة آخرين يتولون مهام تنظيمية في فتح جنوب ووسط القطاع.
مسؤول سابق بالملف: عشرات القرارات صدرت لاستيعابهم لكنها توقفت عند قرار عباس
عند السؤال من طرف شخصيات في حركة فتح وسط غزة أكدوا ان الشخص "ن" تم نقله للجهاز بعد اصابته في احداث 2007 واعتقاله لدى الاجهزة الامنية في القطاع، وهي تلك الحجة التي تذرع بها عدد من ابناء وكوادر التفريغات ليتم تعيينهم، لكن لم يعين منهم الا من حصل على تزكية من جهاز المخابرات وجرى قطع رواتب عدد منهم بتهمة العلاقة بدحلان.
تحويل الملف لـلشؤون الاجتماعية
مدير عام التخطيط والسياسات في وزارة الاقتصاد الوطني في غزة والباحث الاقتصادي والمالي أسامة نوفل، كشف لـ"الرسالة" عن تفاصيل جديدة متعلقة بالملف، أهمها أن موظفي 2005 لا يعتبرون موظفين لدى السلطة كونهم لم يدرجوا ضمن الرواتب الخاصة بالسلطة، وعليه فإنه لا يحق لهم مطالبتها بأي حقوق من حقوقهم بعد انتهاء فترة خدماتهم واحالتهم للتقاعد.
وبيّن نوفل لـ"الرسالة" أن هؤلاء الموظفين مدرجون ضمن ما يعرف بـ"الشؤون الاجتماعية"، ويعتبرون مثل العاطلين عن العمل ويحصلون فقط على بدلات اجتماعية تدرج تحت مفهوم الفقر، ولا يحق لهم بموجب قانون السلطة المطالبة بحقوق نهاية الخدمة العسكرية.
أما الوعود التي يتلقونها بشأن تفريغهم في السلطة، "فهي لمحاولة ابقائهم كورقة قوة بيد السلطة تستخدمها متى شاءت، لكن على ارض الواقع ليس لديهم أي مرجعية وظيفية، وهو ما يؤثر سلبا على حقوقهم"، كما يقول نوفل.
وأضاف أن جميع ما يتم استقطاعه لهم لا يجري ضمن مفهوم التقاعد المتعلق بالموظفين العسكريين، وهذا يأتي في اطار التفرقة بين الموظفين العسكريين السابقين وبين هؤلاء الموظفين.
وبيّن أن عملية التقاعد الاجباري التي جرت في قطاع غزة من طرف السلطة، احدثت تراجع بقيمة 17% تقريبًا.
ابو كرش: تصنيفنا ضمن موازنة الشؤون الاجتماعية للتهرب من حقوقنا المالية
وأشار نوفل إلى أن عدد موظفي السلطة عام 2007 كان 67 ألفا وتراجع إلى 62 ألف حتى ابريل الماضي، حيث تم احالة 15 ألف موظف مدني وعسكري الى التقاعد، ليصبح عددهم تقريبا 47 ألف موظف.
قرار سياسي
المتحدث باسم تفريغات 2005 رامي أبو كرش، اعتبر ادراجهم في موازنة الطوارئ التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، مدخلا للتهرب من الاستحقاقات المدنية والمالية الخاصة بهم.
وذكر أبو كرش لـ"الرسالة" أن موضوعهم مربوط بقرار سياسي من الرئيس محمود عباس، ليحل ضمن رزمة من المشكلات المتعلقة بالاجهزة الأمنية بما في ذلك 3500 شخص تم اعتمادهم من عباس كانوا يعملون في وزارة الداخلية إبان تولي الشهيد سعيد صيام الوزارة آنذاك.
ورفض أبو كرش اتهامات مقربين من عباس بتبعية الملف لدحلان، إذ أن صاحب فكرة دمج المطلوبين في الأجهزة الأمنية كان عباس شخصيا، وجرى دمج العشرات من المطلوبين من فصائل مختلفة في الضفة وغزة ضمن تفريغات 2005م.
وأوضح أن دحلان تولى مسؤولية تنفيذ القرار بصفته مستشارًا للرئيس لشؤون الامن القومي.
من جهته، قال عبد الحميد المصري عضو المجلس الثوري السابق في فتح وأحد المتابعين للملف منذ بدايته، إن هناك أكثر من قرار صدر من الثوري وأعضاء اللجنة المركزية السابقين الى ما قبل انعقاد ما يسمى بالمؤتمر السابع، بشأن استيعاب هؤلاء الموظفين، لكن عباس من يعطل التنفيذ.
قيادي بفتح: دمج تفريغات 2005 يحتاج لقرار سياسي
وذكر المصري لـ"الرسالة" أن عملية الاستهداف لأصحاب هذا الملف لا تنفصل عن الإجراءات والسياسات المتخذة من عباس بحق القطاع.
وبيّن أن من خرج من الملف نتيجة وساطات لمسؤولين كبار في السلطة يثبت ان الملف يخضع لمزاجية سياسية لفريق عباس لا اقل ولا أكثر.
الهباش وقيادات اقاليم افرزت عناصر من الملف ودمجتها في وزارات مختلفة
اشكال فساد
من جانبه، أكدّ المحامي عبد الله شرشر أن عملية نقل تفريغات 2005 من موازنة الاجهزة الامنية الى وزارة الشؤون الاجتماعية، يعتبر بذلك اهدارًا لحقوقهم في الراتب والترقية والتقاعد، وشطبه من الخدمة المدنية أو العسكرية.
وذكر شرشر لـ"الرسالة" أن هذا الامر يترتب عليه حرمانه من حقوقه كافة، والغاء أي حق له فيما يتعلق بالرواتب وحقوقه المالية المكفولة.
وأشار إلى أن عملية التثبيت لبعض عناصر التفريغات بناء على واسطة أو محسوبية، تفتقر لكل المعايير الرسمية والقانونية، وتشكل مخالفة قانونية للقوانين التي تنظم عملية الخدمة المدنية والتي تنظم النقل والاعارة في الوظائف المدنية والامن.
وأوضح أن عملية النقل لهذه الحالات اعتمدت على اساسين الاول طريق الواسطة والمحسوبية، والآخر يعتبر رشوة وشكل من أشكال الفساد السياسي.
وبيّن شرشر أن عملية التثبيت لبعض العناصر من الجهاز اعتبر شكلا من اشكال الرشوة التي تقدم للبعض مقابل شراء ذمته السياسية، وهذا مخالف للقانون.
وأيدّه، الرئيس الثاني للمجلس التشريعي النائب حسن خريشة بالقول إن عملية التعيينات والترقيات والتنقلات من جهاز لآخر في غزة على سلك السلطة الفلسطينية، لا تخضع لأي معيار من معايير النزاهة والشفافية، وهدفها التمييز بين فئات الشعب الفلسطيني، "فابن المسؤول يوظف ومن يقدم ويضحي لا يملك راتبًا".
مصدر: عباس يرفض اعتمادهم لخلافه مع دحلان واعتقادًا منه انهم موالون له
ويضيف خريشة أن عمليات التوظيف أساسًا في سلك السلطة بغزة والترقيات هي "طابو مخصص للبلاط الملكي وحاشية الرئيس التي تجعل الخير شرا والشر خيرا"، على حد تعبيره.
ويشير إلى أن اولاد المسؤولين فقط هم المسموح لهم بالتعيين أو الترقية أو الانتقال من جهاز لآخر وكذلك في الوظائف العليا سواء كان في السفارات أو القضاء والنيابة او المؤسسات التي يتم ابتداعها تحت مسمى وزير، حيث تطوب وظائف خاصة بأسمائهم، وهو ما يستدعي تدخل مكافحة الفساد للنظر في عملية التعيينات التي تجري بعيدا عن القوانين.