تحبس (إسرائيل) أنفاسها في ظل التطورات الدراماتيكية بشأن ملفات التحقيق مع مقربي ومساعدي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مع تعاظم المخاوف من أن تفضي هذه التطورات إلى إجراءات تنتهي بعزله من منصبه.
وتبدو حكومة اليمين المتطرف في (تل أبيب) سيما رئيسها بنيامين نتنياهو في حالة حرج شديدة لأن الأخير قد وضع كل بيضه في سلة ترامب، حيث يخشى أن تؤثر ردة الفعل على سلوك ترامب إلى المس بمكانة (إسرائيل) التي ارتبطت بشكل كامل به وبإدارته.
وتدرك (تل أبيب) أنه في حال شرع الكونغرس في إجراءات لعزل ترامب فإن قدرة الولايات المتحدة على مواجهة التحديات الخارجية ستتقلص، وبشكل خاص التحديات التي تمثل معالجته مصلحة إستراتيجية لـ(إسرائيل)، مثل البرنامج النووي الإيراني وتوسع طهران في المنطقة وغيرها.
وتخشى (تل أبيب) بشكل خاص أن يفوز بيرني ساندرز أو إليزابيث وورنر، اللذان من المرجح أن يتنافسا على ترشيح الحزب الديموقراطي يتبنيان مواقف نقدية جدا لـ(إسرائيل) بشكل واضح وجلي.
وحتى لو لم يرشح الحزب الديموقراطي مرشحا آخرا غير ساندرز وورنر، فإن (تل أبيب) تنطلق من افتراض مفاده أن هذا المرشح سيتأثر بتوجهات قيادات الحزب الشابة من الجناح اليساري الذي يتبنى مواقف معادية لـ(إسرائيل).
وتخشى (تل أبيب) أنه لو لم ينجح الديموقراطيون في عزل ترامب، فإن قدرته على مواصلة سياساته الخارجية المؤيدة لـ(إسرائيل) على هذا النحو غير المسبوق ستكون محدودة جدا على اعتبار أن الأغلبية الديموقراطية الواقعة تحت تأثير الجناح اليساري لن تسمح له بذلك.
ومما يزيد الأمور تعقيدا حقيقة أن كل المؤشرات تدلل على أن فضائح ترامب لا تعزز فقط فرص الديموقراطيين بالفوز في الانتخابات النصفية للكونغرس التي ستجرى في نوفمبر القادم، بل إن هذه الانتخابات ستفضي إلى تحقيق ممثلي جناح اليسار في الحزب الديموقراطي إنجازات كبيرة، مع العلم أن هذا الجناح يتبنى موقفا نقديا من (إسرائيل) وسياساتها.
وتوقفت النخب الصهيونية بشكل خاص عند المفاجأة الكبيرة التي تمثلت في تغلب الناشطة اليسارية إليكساندريا كورتس (28 عاما) على النائب جو كرولي، الذي يعد من أكثر المتحمسين لدعم (إسرائيل) في مجلس النواب وفوزها بترشيح الحزب الديموقراطي عن مقاطعة "كوين" في ولاية نيويورك.
ومما يعمق المخاوف في (تل أبيب) حقيقة إدراكها أن الأقليات العرقية واليهود غير المنتمين للتيار الديني الأرثوذكسي وسكان الولايات التي تصوت بشكل تقليدي للديموقراطيين، مثل كاليفورنيا ونيويورك سيصوتون لليساريين "المتطرفين"، الذين يمكن أن يترشحوا عن الحزب الديموقراطي، تماما كما فازت إلكساندريا كورتس بترشيح الحزب في نيويورك.
وتخشى (تل أبيب) أن النتائج التي حققها ممثلو الجناح اليساري في الحزب الديموقراطي يمكن أن تؤثر على نتائج الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في العام 2020، والتي قد تسفر عن فوز مرشح ديموقراطي يأخذ بعين الاعتبار مواقف هذا الجناح من (إسرائيل).
وعلى سبيل المثال، سيجعل تحقيق الديموقراطيين أغلبية مطلقة في مجلسي الكونغرس من المتعذر على ترامب دفع خطته لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، المريحة لـ(تل أبيب)، والمعروفة بـ "صفقة القرن".
وتعي دوائر صنع القرار في (تل أبيب) أنه في حال وجد ترامب نفسه مجبرا على الاستثمار في مواجهة التحديات الداخلية للحفاظ على شرعيته فإن قدرته على تبني سياسات خارجية تراعي المصالح الأمنية لحلفائه، سيما (إسرائيل) ستتضرر.
ومن المخاطر التي تخشى (إسرائيل) مواجهتها في أعقاب تحقق هذا السيناريو: إصدار مجلس الأمن الدولي قرارات معادية لـ(إسرائيل)، سيما قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود العام 1967، ودعم حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي شردوا منها.
ولا تستبعد (إسرائيل) أن يسهم تعاظم النزاعات ومظاهر الاستقطاب داخل المجتمع الأمريكي، سيما بين اليمين المحافظ ومؤيديه والليبراليين في تحطم نظام الحكم في الولايات المتحدة، مما يسهم في إضعاف الولايات المتحدة كقوة عظمى، وضمن ذلك إمكانية أن تفضي النزاعات الداخلية إلى تفجر حرب أهلية أمريكية.
وحثت صناع القرار في (تل أبيب) على التحوط للتداعيات الأكثر سوءا الناجمة عن التحولات التي تشهدها السياسة والمجتمع الأمريكي وصياغة استراتيجية لمواجهتها.
وتوقعت بأن يسهم فوز الديموقراطيين بالانتخابات النصفية للكونغرس في دفع واشنطن لتقليص تدخلها العسكري والسياسي في الشرق الأوسط، لدرجة أنه يمكن أن تتوقف عن لعب دورها كقوة عظمى في المنطقة والعالم، وهو ما يمثل فرصة لكل من روسيا والصين.
وأوضحت الدراسة أن ما يفاقم الأمور خطورة حقيقة أن هذه التحولات تترى في ظل تراجع تأثير قوة منظمات اللوبي اليهودية في الولايات المتحدة بسبب ميل الكثير من القطاعات الشبابية اليهودية في الولايات المتحدة لتنبي مواقف معادية لـ(إسرائيل)، مشيرة إلى أن هذا الواقع سيفضي إلى اعتماد (إسرائيل) على دعم التبشيريين الإنجيليين.
ولم تستبعد أن يقدم الرئيس القادم على إصدار مراسيم معادية لـ(إسرائيل) لإجبارها على قبول المطالب الفلسطينية.
وحثت الدراسة الحكومة الإسرائيلية على اتخاذ خطوات عاجلة لضمان الحصول على تأييد اليهود المحافظين والإصلاحيين في الولايات المتحدة وذلك لإحباط فرص انتخاب مرشح يمثل اليسار المتطرف في الحزب الديموقراطي.
ونصحت الدراسة صناع القرار في (تل أبيب) بمواصلة بناء التحالفات مع قوى أخرى غير الولايات المتحدة لتقليص تأثير أي تداعيات سلبية عن فوز اليسار بالانتخابات للكونغرس أو الرئاسة في الولايات المتحدة.