" وهبت وأعطيت يا الله فكفيتنا من الكمال ما وفيت فأنت السلام والأمان في عبادتك، فيا الله أنتظر منذ وقت طويل نيل شهادة ليست بشهادة جامعة او بشهادة بشر، إنما شهادة في سبيلك يا الله".
أطلبها من قلبي وقبل أي شيء فحققها لي يا الله اليوم، مستعدة ولكن، يا الله اجعلني شهيدة العمل الطيب الكريم الإنساني، شهيدة المحبة وشهيدة السلام فأنا أريد نيلها، أحبتي رفاقي أكملوا افراحكم وأكملوا مشواركم فنحن بشر وطريق الجهاد ليس فقط بالقتال وإنما بالعمل الصالح وغيره.
سامحوني فاليوم أنا معكم وغدا في التراب فلن اخذ شيء غير عملي فاذكروني بخير وبدعوات صادقة، ربي أكرمني بالشهادة".
ما كتبته المسعفة شروق مسامح على صفحتها قبل اصابتها بساعات، ربما كان تنبؤا صادقا، إصابة كادت تودي بحياتها، وبرغم استقرار وضعها حيث ترقد في مستشفى الأوروبي حتى اللحظة، وتحت العناية المركزة، لكنها كانت معرضة للموت في كل لحظة منذ اصابتها حتى استقرار وضعها.
لم تفعل شروق شيئا سوى أنها كانت إنسانة، والإنسان في غزة يقتل لإنسانيته فحسب، ولا يحتاج الاحتلال الى مبررات لاغتيال أصحاب الحق، فالعالم أعطاه رخصة مفتوحة لاغتيال غزة، وهذا ما يحدث للمواطنين العزل وللطواقم الطبية التي باتت مستهدفة بشكل متعمد.
وصلت شروق يوم الجمعة الماضي إلى الحدود مع الاحتلال في مدينة رفح برفقة أمها، حيث تعودتا المشاركة في فعاليات مسيرة العودة منذ بدايتها، وتعودت شروق أن ترتدي لباسها الأبيض، وتأخذ أدوات الإسعافات الأولية كما في كل الأسابيع السابقة، متطوعة لإنقاذ الجرحى هناك.
وفور وصولها حدثت فجأة إصابة لصبي أمامها، فركضت تحركها إنسانية المسعف، وتلقائيته في التعامل مع الإصابة، لم تنظر حولها، وربما إذا نظرت لن تكترث، كل ما كانت تفكر فيه أن هناك روحا ملقاة على الأرض تحتاج إلى انقاذ، لكن قبل أن تباشر بإسعاف الطفل، اقتحمت جسدها رصاصة إسرائيلية غادرة، أسقطتها أرضا في لمحة عين.
دخلت الرصاصة في صدرها مخترقة رئتها اليمنى، ونقلت شروق غائبة عن الوعي إلى مستشفى الأوروبي وأجريت لها عملية أخرجت الرصاصة، بينما بقي الجسد ممددا في غيبوبة تحت المراقبة حتى ساعات مساء يوم السبت، حينما فتحت عينيها وتحدثت للمرة الأولى.
ويقول طبيبها المشرف على حالتها بأنها كانت في وضع "صدمة"، هبط ضغطها وعانت من نزول في نسبة الهيموغلوبين في الدم بسبب النزيف الشديد الذي تعرضت له.
ولكن حينما فتحت شروق عينيها أخيرا وبكل ثباتها الإنساني المعتاد وعلى سرير المرض معلقة بأجهزة الرحمة، لم تكن تلك الدقائق الحرجة سببا لتغير ما قالته مسبقا، بل رددت من جديد قائلة: "ممكن تكون هذه اللحظة آخر لحظة، وكنت أعلم أنني سأصاب يوما، أنا ورزان النجار وعبدالله الطيطي، وكل من رحلوا، كنا نعلم جميعا أننا راحلون، وكنت أتمنى رفقة رزان في الجنان".
والدتها التي تقف أمام العناية المركزة تقول: طلبت منها الذهاب إلى خزاعة ولكنها رفضت وقالت أريد الذهاب إلى رفح، ومنذ وصلنا إلى المكان أصيبت ثم نقلت إلى مستشفى أبو يوسف النجار، وبعدها الى مستشفى الأوروبي لإجراء العملية، ابنتي لا تتغيب مطلقا منذ بداية المسيرات، ولا يثنيها شيء عن رسالتها الإنسانية.
شروق أم لطفل واحد، متطوعة، تحلم بحياة أفضل كغيرها، وظيفتها مساعدة الغير لا أكثر، انقاذ لروح تعاني وجع الإصابة، ولكنها تأمل أن تكمل مسيرات العودة سيرها وثورتها وأن لا يهدأ ثورانها أبدا، مهما كان الثمن لأن العودة حق تراه شروق وزملاؤها سيتحقق لا محالة.
وبحسب تقارير وزارة الصحة فإن إجمالي الإصابات يوم الجمعة الماضية وصلت إلى 240 إصابة 82 منها تعتبر إصابة حرجة، وقد تم تسجيل 3 انتهاكات للطواقم الطبية منها المسعفة شروق أبو مسامح بالإضافة إلى تدمير سيارة اسعاف تابعة للهلال الأحمر شمال القطاع.