تربة الميدان على حدود قطاع غزة رخوة بمقدار من الممكن أن تنهار في أي لحظة، حالة التماس مع الاحتلال في مسيرة العودة مستمرة والتهدئة غاب نجمها والمصالحة متعثّرة.
الأهم من مشاكل الفلسطينيين السياسية أن (إسرائيل) تلمّح في تصريحات قيادتها السياسية والأمنية والعسكرية أنها جاهزة لأي سيناريو تصعيد والأداء الميداني على الأرض يشي برفع درجة التصعيد فيما تغلق دول الإقليم الخيارات توافقاً مع سيناريو الاحتلال.
الاحتلال يركّز في الشهور الماضية على استغلال لعبة الوقت فمزيد من الأسابيع يوفّر لهم مزيدا من الترتيبات الأمنية واللوجستية ويزيد من انهيار الحياة في غزة في مرحلة ( لا حرب -لا سلم ) ويؤيّد ذلك تطورات هادئة وتصعيد متقطّع قاتل على المدى المتوسط.
وتستوقف القارئ عدة تصريحات متوائمة ومتسلسلة فمصر حذرت قبل يومين حماس من الضغط على (إسرائيل)، ومباحثات المصالحة تدور في الرّحى والتهدئة غادرت بعد ربطها بتوقيع عباس والاحتلال يصرّح بخشية تعرض جنوده للاختطاف فيما يبدو أكثر جرأة على الحدود شرقاً وغرباً فقد قتل واختطف وقصف.
لعبة الوقت
الذاكرة ممتلئة بعدة مواقف وتصريحات ترجح عودة التصعيد بعد إخفاق التهدئة وفشل المصالحة في نتائج اجتماعات مكوكية معدّة سلفاً لكسب مزيد من الوقت.
ويؤكد رامي أبو زبيدة الباحث في الشئون العسكرية أن الاحتلال يريد من كسب الوقت تحقيق مزيد من التنازلات وقد مارس (مفاوضات التسكين) لاستكشاف نوايا المقاومة وتسكين التوتر على الحدود والتخلص من الضغط ومحاولة غزة تعديل قواعد الاشتباك.
جزئياً عاشت غزة الشهر الماضي هدوء على الحدود وتذبذب في ضحايا مسيرة العودة والقصف على المنطقة الشرقية والكل يترقب نجاح التهدئة أو المصالحة.
ويقول أبو زبيدة إن عامل الزمن من أهم عوامل المفاوضات لكسب الوقت وحسم الصراع وأنه يجري بحث تفاصيل التفاصيل ليكسب الاحتلال الوقت.
الناس في غزة محبطة من المصالحة فيما ترغب (إسرائيل) فرض تهدئة برؤيتها حسب رؤية اللواء يوسف شرقاوي الخبير العسكري الذي يشدد على سعي الاحتلال كي الوعي الفلسطيني.
ويتابع:"الاحتلال يسعى لتعزيز ردع المقاومة والفصائل لم تحدد موقف واضح، ورؤيتي الشخصية التهدئة الآن أولى والاحتلال يرغب في تآكل قدرات المقاومة مع الزمن".
بالونات عسكرية
ومنذ انتهاء حرب غزة عام (2014) لا ترغب (إسرائيل) في الحرب لكنها تستعد لها ويبدو ذلك من إجراء عدة مناورات أحادية وأخرى مشتركة في السنوات الثلاث الماضية منها ما هو الأضخم في تاريخها.
ويؤكد محمد مصلح المختص في الشؤون الإسرائيلية أن (إسرائيل) قلقة من فشل التهدئة فهي لا ترغب في المفاجآت لذا تلوّح بتصريحات وتهديدات مع رفع التصعيد درجة واحدة للأمام.
ويطلق الاحتلال حسب وصف مصلح بالونات عسكرية لاختبار موقف المقاومة وسلوكها المحتمل في حال تغيرت دفّة الميدان بالاضطراب أو التصعيد مختلف الأشكال.
ولعل أهم ما تحدث به الاحتلال هو خشيته من تعرض جنوده للاختطاف على حدود غزة مع تأزم الحياة هناك وهو بذلك لا يكشف خوفه بقدر ما يمهّد لمزيد من العدوان برسائل مبطّنة.
وكان المسؤول ملف الأسرى الإسرائيليين السابق (ليئور لوتان) أكد أنه لا يعارض إجراء مفاوضات مع حماس، مضيفاً: "كان يجب علينا عدم إنهاء الحرب على غزة إلا بإعادة الجنود الأسرى لدى حماس".
****تصعيد متدرج
ورغم حديث قادة الاحتلال عن نجاح معادلة الهدوء مقابل الهدوء جزئياً بغزة إلا أن استراتيجيتهم التي تطمع في كسب الوقت تسعى لتعزيز قوة الردع كي نصبح أمام مقاومة مردوعه.
في ميدان غزة وساحات مسيرات العودة تعرّض عدة شبان للاختطاف فمثلاً قبل يومين تقدم 4 شبان لحرق الاعشاب الجافة جوار ملكة ثم هاجمتهم قوات خاصة فيما تعرض آخران للاعتقال شرق البريج وقتل الاحتلال وأصاب عشرات الأطفال ومئات المتظاهرين شرقاً وقرب البحر.
ويؤكد المختص مصلح أن الاحتلال لا يرغب في الاستنزاف ويحاول تحميل حماس مسئولية كل ازمات غزة وهذا محل اتفاق أمريكي-إسرائيلي.
ويضيف: (إسرائيل) تريد حالة لا سلم لا حرب فوضعها الداخلي الآن لا يسمح بشن حرب ولا تمانع مظاهرات من دون بالونات أو تماس مع الجنود ولا تريد دفع ثمن فمن لم يدفع لعباس هل سيدفع لحماس؟! ".
أما أبو زبيدة الباحث في الشئون العسكرية فيقرأ احتواء جولة التصعيد الأخيرة بأنها منحت الاحتلال استكشاف موقف المقاومة لكن فشل التهدئة يقربنا من جولة تصعيد.