على وقع الضربات السياسية المتلاحقة يستعد رئيس السلطة محمود عباس للحج إلى الأمم المتحدة مجدداً، وهو الذي جعل من هذه المؤسسة الدولية مزارا سنويا له، بعدما فشل في التوصل لأي تسوية وفقد الامل في تحصيل أي شيء من (إسرائيل) والوسيط المنحاز له بالمطلق الولايات المتحدة.
ورغم أهمية القرارات الدولية وما تمثله من عمق للقضية الفلسطينية الا انها تبقى حبرا على ورق لا يوجد قوة تدفع نحو تنفيذها، ويبدو أنها فقدت أهميتها لعدة أسباب منها انها باتت تشكل حالة روتينية لا يعيرها أحد اهتماما سواء من الجانب الفلسطيني او (الإسرائيلي)، كما ان الخطابات الرنانة لأبو مازن لا يوازيها أي فعل مقابل على الأرض.
وفي ضربة قاضية لأي آمال بإمكانية إحياء المفاوضات بين (إسرائيل) والفلسطينيين، أعلنت إدارة ترمب أنها ستغلق السفارة الفلسطينية الفعلية في الولايات المتحدة.
وانتقد مستشار ترمب للأمن القومي "جون بولتون" المحكمة الجنائية الدولية بالتزامن مع إعلانه اغلاق منظمة التحرير الفلسطينية بسبب لجوئها للمحكمة.
ويقول الكاتب مايكل غوردون في صحيفة جول ستريت جورنال أن هذا التطور هو الأحدث في سلسلة من التحركات العدوانية المصممة لإلغاء كل الخيارات الفلسطينية بخلاف ما قد يكون في المستقبل القريب بشأن "مقترح السلام".
ويعتبر أن الهدف الحقيقي للبيت الأبيض هنا هو عدم الضغط على الفلسطينيين للتنازل عن أي عملية أو مطالب قائمة. بل الأكثر من ذلك، مصادرة جميع الخيارات الأخرى الممكنة ــ بما في ذلك اللجوء الى المنتديات الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية أو الأمم المتحدة ــ قبل أن تطرح الإدارة مقترحًا لا يرتقي إلى الحد الأدنى من التوقعات الفلسطينية لدولة مستقلة.
ويرى الكاتب أن هذا الضغط العنيف لن يجعل الفلسطينيين أكثر رغبة أو قدرة للقبول بالمطالب الفاحشة من كوشنر ونتنياهو، بل إن تصرفات الإدارة الامريكية الحالية تقوض المعتدلين الفلسطينيين بل وتسبب الإهانة لهم لصالح التيارات المتطرفة من اليمين واليسار.
ويعتبر الكاتب أن أكبر الرابحين امام هذه التطورات هي حماس. اما عباس الذي سخر فترة ولايته كلها حول التوصل الى اتفاق تفاوضي مع (إسرائيل) برعاية أمريكية يبدو الآن أنه تعرض لأكبر عملية خداع في الشرق الأوسط.
بعد عام ونصف من إدارة ترمب، سيكون من الصعب دحض فرضية حماس التي يصر قادتها على ان الفلسطينيين لا يستطيعون استعادة حقوقهم الا من خلال الكفاح المسلح.
وأمام هذه الحالة التي شكلت اعلان وفاة عملية التسوية وبعد 25 عاما على أوسلو يمكن القول ان السلام في هذه المنطقة بات شبه مستحيل إزاء التطورات الأخيرة والتي تشي بانفجار قريب.
دينس روس، كبير المستشارين السابقين في قضايا الشرق الأوسط لدى الإدارات الامريكية السابقة قال: إذا كان لدى الإدارة مصلحة في التواصل مع الفلسطينيين لاتفاق بطريقة ما قبل تقديم خطة السلام الخاصة بها، فإن خطواتها الأخيرة، من المؤكد أنها ستجعل الأمور أكثر صعوبة".
ومع كل حالة الضغط التي تشكلها إدارة ترمب الا ان السلطة اكتفت بمجرد تهديد بوقف التعاون الأمني مع المخابرات الأميركية وليس (إسرائيل) وهو تهديد تأثيره أسوأ من الصمت، فهو يعكس بكل وضوح حالة العجز التي تعاني منها السلطة.
واذا كانت السلطة تريد أن تتخذ خطوات للرد على كل ما تتعرض له القضية، فالطريق واضحة من خلال وقف التنسيق الأمني آخر وظائف أوسلو وسحب الاعتراف بالاحتلال واجراء مصالحة وطنية والدفع نحو انتفاضة شعبية في الضفة وغزة والداخل المحتل، لكنها تأبى أن تقترب من هذه الإجراءات لسبب بسيط أنها غير مستعدة لاتخاذ أي قرار يمكن أن تدفع ثمنه كما جرى مع الراحل ياسر عرفات حينما فجر انتفاضة الأقصى بعدما فشلت قمة كامب ديفيد.
وبدلاً من الإجراءات القوية على الأرض والتي من شأنها أن تقلب الطاولة على الجميع يذهب أبو مازن للأمم المتحدة ليلقي خطاب وربما يطرح مسألة الكونفدرالية مع الاحتلال والأردن مجدداً أو يقدم خطته للتسوية، لكن هذه المرة لن يجد من يصفق له.