قائد الطوفان قائد الطوفان

لم تتضمنها الاتفاقية

مكتوب: بعد 25 عاما.. "أوسلو" فرطت عقد المدينة المقدسة

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

القدس - الرسالة

حينما وقعت اتفاقية أوسلو قبل 25 عاما، تم تأجيل قضية القدس إضافة لقضايا أخرى "الحدود واللاجئين والاستيطان"، الأمر الذي دفع (إسرائيل) إلى نهج سياسة التهويد في المدينة دون ضوابط، في حين كان موقف السلطة ضعيفا أمام دولة الاحتلال والمحافل الدولية في التصدي لنهج "التهويد".

ووفق اتفاقية أوسلو فقد قسمت المناطق الفلسطينية التي احتلت 1967 إداريا وأمنيا إلى "أ، ب، ج" دون أن تدخل القدس في تلك المعادلة، وذلك بموافقة الطرف الفلسطيني على تأجيل البت في شأنها دون ضوابط، الأمر الذي دفع (إسرائيل) القيام بما تريده في المدينة المقدسة.

الاتفاقية التي تتغنى بها السلطة الفلسطينية لم تقدم لها شيئا سوى مزيد من الخسارة في الحق الفلسطيني، كما قضت على مدينة القدس بشكل تدريجي وبات الحراك الوطني والثقافي فيها ضعيفا.

ومن أولى الخطوات التي اتخذتها (إسرائيل) بعد توقيع الاتفاقية، التضييق على "بيت الشرق" الذي مثّل مقرا لمنظمة التحرير الفلسطينية في القدس ومرجعية وطنية وسياسية واجتماعية للمدينة، وكان محجا سياسيا للقناصل الأجانب، ومقرا للوفد الفلسطيني المفاوض في مفاوضات مدريد وواشنطن برئاسة المرحوم د. حيدر عبد الشافي، وسرعان ما أغلقته (إسرائيل) نهائيا، وأغلقت تباعا كل المؤسسات الوطنية التي لها علاقة بالمنظمة وبالسلطة الفلسطينية.

وكانت المدينة -رغم الاحتلال- المدينة الفلسطينية الأكثر نموا وازدهارا، تحتضن عشرات المؤسسات الخدماتية الصحية والتعليمية والثقافية والإعلامية، وتقدم خدماتها ليس فقط للمقدسيين، بل لكل أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع.

ولم يمض وقت طويل على توقيع اتفاق أوسلو حتى قلبت (إسرائيل) ظهر المجن، فقد تخلت عن تعهداتها بالحفاظ على الوضع القائم للمؤسسات الفلسطينية في القدس، وباشرت حربا متمادية لا هوادة فيها، استهدفت كافة مكونات القدس؛ أرضا وسكانا ومؤسسات ومقدسات.

وبإغلاق بيت الشرق والمؤسسات الفلسطينية الأخرى فقدت القدس مركزها السياسي ومرجعيتها الوطنية التي انفرط عقدها، وبدأت (إسرائيل) توظيف اتفاق أوسلو بتأجيل التفاوض حول القدس كمظلة زمنية وقانونية لتسابق الزمن في تهويد و"أسرلة" القدس عبر أربعة محاور: العزل والحصار والإحلال والاستيطان.

وفيما يتعلق بالعزل، قامت (إسرائيل) بعزل مدينة القدس ميكانيكيا من خلال الجدار والحواجز على مداخل القدس عن بقية المدن الفلسطينية، وعزل الأحياء المقدسية عن بعضها البعض من خلال إقامة بؤر استيطانية، والتحكم في طرق التواصل بين هذه الأحياء.

أما الحصار، فعملت على محاصرة الوجود السكاني الفلسطيني في مدينة القدس في أضيق مساحة ممكنة، والحد من توسعها من خلال مصادرة أكثر من ثلثي الأراضي في مدينة القدس، وتقييد حركة البناء الفلسطيني والتوسع في هدم المنازل،.

وضاعفت (إسرائيل) بعد اتفاق أوسلو هدم المنازل بنسبة 500%، كما تضاعفت حالات سحب حقوق الإقامة من المقدسيين، حيث قامت (إسرائيل) بعد اتفاق أوسلو بسحب حقوق الإقامة من أكثر من عشرة آلاف مواطن مقدسي.

كل هذه الإجراءات مكنت (إسرائيل) من ممارسة سياسة التهجير الصامت من أجل إحداث خلل استراتيجي في الميزان الديمغرافي الفلسطيني لصالح الوجود الاستيطاني.

وعلى صعيد الإحلال، فعلى أثر إغلاق المؤسسات الخدماتية الفلسطينية في مدينة القدس، قامت (إسرائيل) بانتهاج سياسة إحلال مؤسسات إسرائيلية مكان المؤسسات الفلسطينية، وأسرلة الخدمات التي تقدم للمقدسيين من خلال فرض التأمين الصحي الإجباري على المقدسيين، وربط الخدمات الصحية بالمؤسسات (الإسرائيلية).

وأنشأ الاحتلال العديد من المؤسسات الاجتماعية والشبابية والرياضية المرتبطة بالبلدية الإسرائيلية، كما قامت بمحاولة أسرلة الخدمات التعليمية من خلال إيجاد مرافق تعليمية لتدريس المنهاج الإسرائيلي ومحاولة فرض هذا المنهاج على المدارس الخاصة الفلسطينية في مدينة القدس، وهي المحاولة التي يخوض المقدسيون صراعا مريرا معها الآن.

وأخيرا وبخصوص الاستيطان، فمنذ توقيع اتفاق أوسلو لم تنفك (إسرائيل) عن تصعيد وتيرة الاستيطان في مدينة القدس كما الضفة الغربية، فقد تضاعف عدد المستوطنين في القدس الشرقية خلال العقدين الماضيين إلى ثلاثة أضعاف، فقد كان عددهم قبل الاتفاق نحو مئة ألف مستوطن، ليصل الآن إلى نحو ثلاثمئة ألف مستوطن في القدس الشرقية، خاصة بعد أن قامت (إسرائيل) بتوسيع حدود المدينة إلى أكثر من مئة كيلومتر مربع.

ويواجه المقدسيون زحفا ديموغرافيا متماديا للمستوطنين على أراضيهم، خاصة في قلب الأحياء الفلسطينية في المدينة، بينما ترتفع وتيرة سياسة التطهير العرقي وسياسة التهجير الصامت بحقهم؛ لدرجة أن نحو 140 ألف مقدسي أصبحوا يقطنون الآن خارج جدار الفصل العنصري بفعل عدم توفر وحدات سكنية داخل الجدار.

البث المباشر