قائمة الموقع

مكتوب: أوسلو .. الإتفاق الأجرب!

2018-09-17T13:25:29+03:00
صورة ارشيفية
كتب/ إسماعيل الثوابتة

هل آمنتم أخيرا بأن الاضطرابات التي تعرضت لها - وما زالت تتعرض لها - القضية الفلسطينية والثوابت الوطنية على مدار أكثر من خمسة وعشرين عاما؛ جاءت نتيجة اتفاق أوسلو الكارثي الهزلي؟ وبعد ربع قرن من هذا الاتفاق المشؤوم؛ هل تحتاجون إلى مزيد من الوقت لكي تترسّخ لديكم هذه القناعة التي باتت محفورة في الأذهان؟

خمسة وعشرون سنة مضت بمرارة وقسوة على توقيع اتفاق أوسلو الذي هندسه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، حيث اعترفت وقتذاك منظمة التحرير الفلسطينية بحق الاحتلال في وجوده كدولة تحت اسم "دولة إسرائيل" على أرض فلسطين التاريخية وبمساحة تزيد عن 78% من أرض فلسطين التاريخية قدّمتها المنظمة على طبق من ذهب إلى الاحتلال - حلال زلال - وبدون مقابل يذكر، ولعل هذا هو أخطر ما في الاتفاق، بينما الاحتلال إياه لم يعترف حتى بحق شعبنا الفلسطيني في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة، تصوروا!

جوهر اتفاق أوسلو كان "التنسيق الأمني" حيث ساهم في إضعاف المقاومة الفلسطينية وملاحقة أبنائها واعتقالهم وتسليم عدد منهم للاحتلال في جريمة لا يمكن أن ينساها شعبنا الفلسطيني تكررت مرارا، بل وعمل الاتفاق الكارثي على توفير بيئة أمنية مريحة للاحتلال وقطعان مستوطنيه في الضفة الغربية الأمر الذي جعل الضفة والقدس مستباحة أمام الاحتلال والمستوطنين يسرحون ويمرحون بها كيفما ووقتما شاءوا.

ومن هنا وهناك فقد شرخ اتفاق أوسلو الشعب الفلسطيني إلى شروخ متعددة بل وأحدث انقساماً سياسياً بين أبناء الشعب الفلسطيني، حيث جسّد الاتفاق مسارين اثنين، الأول: مسار التسوية وما يسمى بعملية السلام المزعوم المكذوب، والثاني: مسار المقاومة بكافة أشكالها والتمسك بالثوابت الفلسطينية وهو ما انعكس بعد ربع قرن على انقسام سياسي وجغرافي نتيجة الاتفاق إياه والذي يُعززه رئيس السلطة الفلسطينية بالعقوبات والانفصال.

لا تعرف كيف وصل الحال بنا إلى هذه الدرجة من التردّي حتى التردّي الاقتصادي الذي ضرب جذوره اتفاق أوسلو بل ولعن أساسه الأول حينما ربط الاقتصاد الفلسطيني بشكل مباشر باقتصاد الاحتلال من خلال اتفاقية باريس الاقتصادية البائسة التي كانت بمثابة السكين على رقبة الاقتصاد الفلسطيني الذي تردّى بشكل سلبي وبالتالي لم يعد شعبنا الفلسطيني وقطاعاته الاقتصادية قادرين على بناء اقتصاد وطني مستقل، بل بات اقتصاد مكبل من كل اتجاه وبالحديد والنار.

قلْب الشعب الفلسطيني انفطر بل وأُصيب في مقتل وتعرض إلى ضربة موجعة عندما وضع اتفاق أوسلو مدينة القدس ليس في مهب الريح فقط، بل ثبّتها عاصمة للاحتلال بدون وجه حق، حيث التفوا عليها وأخّروها إلى مفاوضات ما أطلقوا عليها بمفاوضات "الحل النهائي" مما شجع الاحتلال على تهويد مدينة القدس وتغيير معالمها التاريخية والجغرافية والديموغرافية، ولم يبق فلسطينياً منها سوى أقل من 13% ، وإضافة إلى ذلك فقد تواطأت الإدارة الأمريكية مع رؤية الاحتلال وقررت مؤخرا اعتبار مدينة القدس عاصمة لما يسمى "إسرائيل" ونقلت سفارتها لها، دون أن تنبس منظمة التحرير ولا السلطة الفلسطينية بكلمة واحدة.

لو كان القرار الفلسطيني قراراً جماعياً وغير منفرد لما وصلت قضيتنا الفلسطينية إلى هذا الحد من التيه، ففي جُملة تلك التنازلات الخطيرة ضاعت تحت الأقدام الضفة الغربية، وقسّموها إلى ثلاث مناطق (أ و ب و ج)، منها ما هو تحت سيادة الاحتلال بالكامل، ومنها ما هو "مشترك" مما شجع الاحتلال على زيادة وتيرة الاستيطان حيث تضاعف الاستيطان منذ أوسلو لـ 700% وزادت المستوطنات 7 أضعاف، ومنها ما هو تحت سيادة السلطة "عرفيا" ولكنه تحت سيادة الاحتلال عمليا وميدانيا.

تذويب حق العودة وتضييع قضية اللاجئين الفلسطينيين للأبد؛ كانت ضمن الطبخة السياسية التآمرية على الشعب الفلسطيني، فمن هو العاقل الذي اتخذ مثل هذه القرارات؟ ومن هو العقل المدبر لمثل هذه الاتفاقية الكارثية؟ ومن هو المهندس الذي تجرّأ على التوقيع عليها دون أن يكترث بمعاناة شعبنا التي ستكون نتيجة حتمية لهذه الاتفاقية المشؤومة؟ لقد حوّلوا قضية اللاجئين من قضية سياسية وإنسانية وقانونية وشرعية وجغرافية وتاريخية إلى "مشكلة إنسانية فقط" بحاجة إلى أي حل.

إن القضية الفلسطينية تتعرض إلى أخطر مراحلها بسبب اتفاق أوسلو وانعكاساته الكارثية على الشعب الفلسطيني، حيث أحدث حالة من الانهيار الفلسطيني، وإزاء كل ذلك هل المطلوب منا البكاء على الأطلال؟

إن ما جرى يتطلب ضرورة عاجلة ومسئولة لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها المختلفة وذلك على أسس مهنية ووطنية بما يحافظ على ثوابت شعبنا الفلسطينية وحقوقه ومقدراته الوطنية، وبعيدا عن سياسة التفرد والاستعلاء.

هناك فرصة جهنمية يمكن أن تقوم بها السلطة الفلسطينية فتعود ممثلة لكل الشعب الفلسطيني بكل أطيافه وأنا أولهم، هذه الفرصة تتمثل في الإعلان والتراجع عن اتفاق أوسلو وذلك بعد انهيار مشروع التسوية وفشل مسار أوسلو وكذلك سحب الاعتراف بدولة الاحتلال الذي تنصل من أوسلو وإنهاء كافة أشكال التنسيق الأمني مع الاحتلال "الإسرائيلي".

وصدق من قال إن الشعب الفلسطيني يتجمّع على المقاومة ويتفرّق عند التنازلات، وبالتالي فإننا بحاجة إلى قيادة وطنية فلسطينية تستند على استراتيجية موحدة لمواجهة مشاريع التسوية والنهوض بالمشروع الوطني الفلسطيني القائم على المحافظة المقاومة والثوابت وعدم التفريط في الحقوق والمقدرات الفلسطينية.

ولكن إذا استمر فريق أوسلو بالعناد والتمسك بلغة التفرد والاستعلاء على الشعب الفلسطيني؛ فإن هذا سيعزز الانقسام وسيكرّس التفرقة للأسف الشديد، وهو ما لا نريده ولا نرغبه، بل إننا نرغب في الوحدة الحقيقية المبنية على التفكير الجماعي.

يجب أن يؤمن الجميع بأن اتفاق أوسلو هو اتفاق أجرب ومنبوذ ويلفظه كل أبناء وأطياف شعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات لأنه ضيّع حقوقنا ومقدرات شعبنا الفلسطيني ابتداء من التنازل عن أرضنا ومقدساتنا ومرورا بتضييع حق العودة والقدس وليس انتهاء بتكريس الاستيطان وتذويب ثوابتنا الوطنية.

اخبار ذات صلة